الاثنين، 14 يناير 2013

العرف القانوني


تعريف العرف      
---:)
إن لفظ العرف فى الإصطلاح- مثله مثل التشريع- يستعمل ويراد به أحد هذين المعنيين(1) المعنى الأول: قد يستعمل العرف بمعنى المصدر المنشئ للقاعدة القانونية أو للتعبير عن عملية نشأة القاعدة القانونية العرفية من خلال اعتياد الأفراد على سلوك معين فى مسألة ما، مع توافر الاعتقاد لديهم بإلزامية هذا السلوك، كما هو الحال فى استعمال التشريع حينما يستخدم للدلالة على عملية وضع وصياغة القواعد التشريعية أى بمعنى المصدر الرسمى المنشئ للقاعدة التشريعية. المعنى الثانى: وقد يستعمل العرف للتعبير عن القاعدة القانونية العرفية ذاتها التى تنشأ من العرف، كما هو الحال فى استعمال لفظ التشريع بوصفه تعبيرا عن القاعدة القانونية التشريعية ذاتها التى مصدرها التشريع. وبذلك يستعمل العرف أو التشريع مرة للدلالة على القاعدة العرفية أو التشريعية، وقد يستعمل مرة أخرى للدلالة على المصدر المنشئ لأى من هاتين القاعدتين. والعرف – بوصفه مصدرا هاما من مصادر القانون- ينشأ فى المجتمع بصورة تلقائية نتيجة لاعتياد الأفراد على سلوك معين فى مسألة معينة لمدة طويلة من الزمن، مع توافر العقيدة لديهم فى إلزامية هذا السلوك بالنسبة لهم، بحيث يتعرض من يخالف هذا السلوك لجزاء يناسب تلك المخالفة. ويعتبر العرف أقدم مصادر القانون على الإطلاق، حيث بدأ ظهوره مع بداية ظهور الجماعة الإنسانية الأولى، فقد كان يمثل المصدر الوحيد للقانون فى المجتمع البدائى بوصفه أنسب المصادر لمثل هذا المجتمع -البسيط فى أنشطته ومنازعاته، والمحدود فى مساحة أرضه وتعداد سكانه-، وأكثرها تلبية لحاجة هذا المجتمع إلى التنظيم القانونى بالقدر اللازم لسير الحياة فيه سيراً منتظماً، لاسيما مع تعذر وجود هيئة أو سلطة عليا تقبض على زمام الأمور فى هذا المجتمع فتملك مقومات سن وصياغة القواعد القانونية وفق إرادتها، وتتوافر لديها صلاحيات وآليات تطبيقها على الأفراد وحملهم على تنفيذ مقتضياتها، أو لأن السلطة الحاكمة مع وجودها بوصفها سلطة عليا فى المجتمع البدائى لا ترى داعيا للتدخل بفرض قواعد قانونية مع قدرة الأعراف والتقاليد وكفايتها فى تسيير دفة النشاط الإنسانى وتنظيمه لاسيما إذا صاحبها شعور دينى بإلزاميتها مما يضفى عليها قدسية ومهابة فى نفوس الأفراد تحملهم على مراعاتها واحترامها من تلقاء أنفسهم (2) لعرف بسيط التكوين، تلقائى النشأة فعندما تثور فى الجماعة مشكلة ما، يحاول بعض أفرادها إيجاد حل لها يتناغم مع ظروفها ويتناسب مع حجمها ومقدارها، فيقلدهم الأخرون من أفراد هذه الجماعة ظناً منهم بأنه الحل الأمثل، أو لتجنيب أنفسهم مشقة البحث عن حل آخر، أو لأن الظروف لا تمهلهم وقتاً كافياً للبحث عن حل جديد، فيتواتر اتباعهم لهذا الحل إلى أن يستقر فى وجدانهم ويرسخ فى نفوسهم إلى أن يتوافر له الاعتقاد لديهم بإلزاميته وعدم جواز مخالفته أو الخروج عليه (3). ولا يشترط لنشأة العرف أن يجمع الناس كافة على العمل بمضمونه، فقد يخالفه البعض دون أن يقدح ذلك فى قيامه ونشأته ما دام أن أغلب أفراد الجماعة قد درجوا على اتباعه واستقر فى نفوسهم العمل به حتى أضحى مضمونه وفحواه جزءاً فى تنظيم مجتمعهم لا غناء لهم عن اتباعه والسير على منواله لتحقيق مصالحهم وأهدافهم المشتركة (4). وقد ظل العرف- نظرا لبساطة تكوينه وتلقائية نشأته- ردحا من الزمن المصدر الأوحد لتنظيم حياة الناس فى المجتمعات البدائية وغيرها من المجتمعات اللاحقة عليها (كالمجتمعات القبلية)، إلى أن تطورت المجتمعات الإنسانية تطوراً ملحوظاً فتشعبت أنشطتها وتعددت صور التعامل فيها، وبرزت إلى الوجود حقوق وواجبات جديدة لم تكن موجودة فى المجتمعات البدائية والقبلية لا سيما بعد ظهور الدولة الحديثة بوصفها كيانا سياسيا جديدا (له أجهزته وسلطاته العامة المختلفة) له حقوق معينة تجاه أفراد المجتمع وعليه واجبات لصالحهم، فكان من اللازم والحالة هذه أن تتدخل الدولة من خلال إحدى سلطاتها العامة المختصة (السلطة التشريعية) بسن وصياغة القواعد القانونية التى تلبى حاجات التطور الإنسانى، والتى يعجز العرف -لبطئه- عن استيعابها وإيجاد التنظيمات القانونية السريعة اللازمة لهذه الأنشطة والمعاملات الجديدة، فضلاً عن تنظيم الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة والأشخاص. فتخلى العرف بذلك عن مكان ريادته وتنازل عن عرشه لمصدر جديد يتسم بالسرعة فى إنشائه أو تعديله أو إلغائه تلبية لظروف المجتمع وحاجاته ألا وهو التشريع، بخلاف العرف الذى يتسم بالبطء فى إنشائه أو تعديله أو إلغائه فيعجز عن مواكبة التطور المستمر فى ظروف الحياة الحديثة، وتوارى بذلك خلف التشريع بوفه المصدر التالى له فى المرتبة، لا سيما مع ازدياد نفوذ الفكر الاشتراكى فى المجتمع الحديث الذى يدعو إلى تدخل الدولة فى كافة أوجه النشاط الإنسانى وتنظيمها بموجب قواعد قانونية آمرة، الأمر الذى ساعد على تقلص القواعد العرفية فى المجتمع وتزايد حجم القواعد التشريعية فيه.
---------------------------------------------------------------------------
(1) انظر فى نفس المعنى إلى:أ.د/سليمان مرقس-المرجع السابق- ص386،أ.د/ شمس الدين الوكيل- المرجع السابق- ص178، أ.د/ عبد المنعم فرج الصدة.أصول القانون. ص122، طبعة عام1965، أ.د/ نعمان محمد جمعة "دروس فى المدخل للعلوم القانونية"ص192،193، طبعة عام 1980، مؤسسة التعاون الجامعى. (2) انظر فى نفس المعنى:أ.د/ حسن كيره- المرجع السابق-ص272، أ.د/حمدى عبد الرحمن- المرجع السابق-ص59، أ.د/ نعمان جمعة- المرجع السابق-ص93 . (3) انظر فى نفس المعنى:أ.د/ نعمان جمعة- المرجع السابق-ص192،أ.د/ سليمان مرقس- المرجع السابق-ص387، د/ عبد الباقى البكرى، د/ على محمد بدير، د/ زهير البشير- المرجع السابق-ص126. (4) انظرفى نفس المعنى:أ.د/ أحمد سلامة ص144،أ.د/ منصو رمصطفى منصور ص133،أ.د/ عبد الناصر العطار ص263،أ.د/ الوكيل ص182،أ.د/كيره ص274، أ.د/ سليمان مرقس ص388،أ.د/ نعمان جمعة ص204 .
--
الوسيط فى مبادئ القانون - نظرية القانون
دكتور خالد جمال أحمد حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق