الخميس، 31 مارس 2011

رواية الفجر الأزرق من تأليف منال عبد الحميد

الفجر الأزرق

عندما هاجم الأعداء المدينة كان الأب في الحديقة الأمامية للبيت الصغير يهتم بشجرة الجاكاراندا ذات الأوراق الناصعة ويروي الزهور الحمراء الصغيرة التي تبزغ ؛ كالفجر الجديد ؛ من بين ظلمة الأوراق الخضراء الداكنة .. أما الأم فكانت في المطبخ تعد وجبة العائلة المفضلة من اللحم و البطاطس .. أما هو،  الطفل الغرير وبطل قصة من أعجب قصص الناس على الأرض ، فقد كان يمرح في جنبات البيت مرحاً صاخباً تحوطه عناية الأبوين الرشيدة و محبتهما التي لا تنتهي .. كان ذلك عندما وقعت المذبحة في المدينة !!

لم يعرف أحد سر ما حدث بالضبط .. فكل من شهدوا الأحداث المروعة قد تواروا في القبور قسراً و ظلماً .. و شاهدي الحادث الوحيدين تواريا أيضاً تحت الأرض .. و لكن أحياء يرزقون !

و كل ما يذكره الشاهدين ؛ الأم و طفلها ؛ أن المدينة التي كانت غارقة في صمت الصباح المبكر الندي فجأة اندلعت فيها الصرخات المفزوعة .. و راحت عشرات ؛ مئات ؛ آلاف الأقدام تهرول في شوارع المدينة .. بحثاً عن مهرب .. عن ملجأ آمن .. عن منفذ للنجاة .. تلاحقهم طلقات رصاص انهمرت كالمطر حاصدة أرواح الجميع .. الباعة في الشوارع ؛ الأطفال المتوجهين نحو مدارسهم ؛ الأمهات اللائي يودعن أطفالهن أمام الأبواب ؛ عمال النظافة في الزوايا ؛ أصحاب المحلات و التجار الصغار الذين لسوء حظهم اختاروا العمل مبكراً ليحصدوا المزيد من الربح فحصدهم الموت قبل أن يستفتحوا .. حتى النائمون الآمنين في مخادعهم اقتحمت بيوتهم و أفرغت رصاصات الغدر في رؤوسهم و صدورهم قبل أن يدركوا ما يحدث بالضبط .. الجميع .. الجميع حصدهم الموت قبل أن تكمل الشمس شروقها على وجه المدينة !

كل من درسوا الواقعة ؛ بعد افتضاحها بعدها بسنوات طويلة ؛ و قتلوها بحثاً و محصوها تمحيصاً لم يفعلوا أكثر من أن هزوا رؤوسهم بأسف قائلين في شفقة :

- " مأساة مروعة ! "

و لكن هؤلاء لم يدركوا أن المأساة لم تكن من نصيب من ماتوا غدراً فقط .. بل إن من قُدر لهم النجاة أيضاً قد عاشوا مأساة أكبر و أعجب !!

............................

لم تدرك الأم للحظة ؛ وهي واقفة وسط موقدها و أوانيها و مناضدها و خضرواتها ما الذي يجري بالضبط .. كل ما تذكره أنها سمعت فجأة ؛ بينما كانت تهم بوضع إناء الخضر والبطاطس على الموقد ؛ سمعت صوت طلقات رصاص بدت قريبة إلى حد مزعج .. ثم ما لبثت صرخات حادة مستغيثة أن تناهت إلى سمعها و باغتتها لحد جعلها تسقط الإناء من يدها وتهرع إلى الخارج لتطمئن على ولدها وزوجها ..

و كان الولد ؛ والحمد لله ؛ يلعب في الصالة بعيداً عن الخطر فاختطفته الأم بطريقة غريزية من وسط ألعابه المتناثرة على الأرض وركضت به وهو يصرخ محتجاً إلى غرفة النوم ، ودفعته في خزانة الثياب و أمرته بألا يخرج منها .. ثم اندفعت نحو الحديقة لتطمئن على زوجها وهي تناديه باسمه بأعلى صوتها ..

لم تكن هذه الأحداث جديدة على الأم ولا جديدة على المدينة .. في الحقيقة تعودت هذه البلاد البائسة على هذه الأحداث المؤسفة .. فمنذ أن صار الحكم دولاً بين جنرالات و عسكريين قساة لا يعرفون الرحمة و ليس لديهم أدنى قدر من الإنسانية ، و صار الحكم لا يستتب لأحدهم إلا ريثما يُعد آخرون للانقلاب عليه ، من لحظتها ولم تعرف البلاد معنى للراحة أو الاطمئنان .. و كم وقعت مذابح و مذابح في طول البلاد و عرضها .. و لكن و بالحقيقة أيضاً فإن البلاد ورغم كل تلك تاريخها المتقلب الدموي لم تشهد مذبحة بهذا الحجم ولا عدداً من الضحايا بهذه الضخامة ..

و لم يتصور أحد أن هذا الجنرال المجنون الطامع في الحكم يمكن أن يبلغ به الجنون ولا الفجور حد أن يقدم ؛ هو و فرقته المسلحة ؛ على ذبح سكان مدينة بأكملها يتجاوز عددهم ستة آلاف نسمة لمجرد أن كبارها كانوا من المعارضين له و ساهموا في إفشال مخططه الانقلابي الأخير !

أما الحقيقة المرة فهي أن الزوجة لم تتوقع ولم تتخيل أن يكون زوجها المسكين ؛ الذي لا ناقة له ولا جمل في أي شيء ؛ قد لقي حتفه و سقط بجوار شجرة الجاكاراندا ميتاً وقد لطخت دماؤه القانية جذوع الشجرة وملأت جذرها العريض !!

أما أمر ما هناك أن هذه الزوجة المخلصة والأم الحنونة لم يكن من حقها الحصول على دقيقة .. مجرد دقيقة واحدة تأبن فيها زوجها بدموعها الحارة أو تحزن عليه .. فقد كان عليها أن تنقذ طفلها من الموت .. و لم يكن أمامها سوى السرداب الضيق الذي أعده الزوج أسفل المنزل من أجل طارئ كهذا .. و لكنه للأسف لم يتح له استخدامه !!

................................

بقوة الذعر و الخوف و بمشاعر الأمومة الجياشة اختطفت الزوجة ولدها الوحيد وهرعت به نحو غرفة نومها .. و هناك فتحت باباً سرياً خلف الدولاب دلفت منه لممر طويل معتم .. و هنا أخذ الطفل يتشبث بأمه بقوة و يصرخ و يصيح :

- " ماما .. ماما "

فقد كان يخاف الظلام جداً .. و لكن الأم اعتصرته في حضنها حتى تشعره بالأمان .. و هرعت تجري به مسافة ليست بالقصيرة حتى وجدت أمامها سلماً صغيراً يقود لأسفل ويفضي إلى مخبأ ضيق شديد الإظلام .. و هناك وضعت الأم صغيرها على الأرض بعد أن طمأنته وأخرجت من جيبها الشموع والثقاب الذي أحضرته معها وأشعلت شمعة طويلة ألقت بظل خافت من الضوء و أتاحت للأم أن ترى جدران المخبأ .. وهنا انهمرت دموعها و تمسكت بطفلها بقوة وأخذت تبكي بمرارة .. فقد تذكرت زوجها قدس الله روحه الذي بنى هذا المخبأ وأعده جيداً وتعب في ذلك أيما تعب .. يدفعه إلى ذلك حبه البالغ لأسرته الصغيرة .. و ها هي وطفلها في أمان هنا .. ولكنه هو بالخارج ملقى على الأرض جثة هامدة !

و أفحمت الأم في البكاء ساعات طويلة !

..............................

ومضت بضع ساعات و بدأ الطفل يضيق بالمكان الضيق المعتم .. و يبكي مطالباً بالخروج إلى الحديقة .. و لكن الأم كانت تريد أن تظل هي وطفلها أطول وقت ممكن مختبئين هنا لتضمن أن يكون القتلة قد غادروا المدينة عندما يخرجا من هنا .. و مضت بضع ساعات أخرى وبدأ الطفل يزن زناً متواصلاً ويخبط برجليه على الأرض و يأتي بحركات عصبية متشنجة ليحمل أمه على إخراجه من هنا إضافة إلى أن الجوع قد عضه .. وأدركت الأم أن طفلها يعاني جوعاً شديداً وفكرت في أن تتركه هنا وتخرج إلى البيت لتحضر له بعض الطعام من المطبخ .. و لكن الطفل أبى أن يظل هنا بمفرده و أخذ يصرخ ويبكي معلناً رفضه التام للاقتراح .. و هكذا اضطرت الأم إلى أن تحمله و تعود به إلى داخل البيت و لكن بعد أن أنصتت جيداً لتتأكد أن المدينة هادئة بالخارج !

و كانت المدينة هادئة بالفعل .. ولا صوت يتسرب عبر الستائر التي وقفت الأم وراءها بحرص تحاول أن تعرف ماذا حدث بالخارج بالضبط .. بينما كان طفلها يلتهم في سعادة الشطائر اللذيذة التي أعدتها له على عجل .. أرهفت الأم أذنيها جيداً محاولة التقاط أدنى صوت يقترب من البيت ، فقد كان أي صوت في مثل تلك الحالة يمكن أن يمثل خطراً محدقاً ، و لكن الأم لم تدرك سبب هدوء المدينة بالكامل .. لم تدرك أن هذا الهدوء أسوأ مائة مرة من أي صوت ممكن أن تسمعه .. لم تدرك أنه الهدوء الذي يلي المذبحة الكاملة و يسبق الإعصار المدمر !

فخلال أقل من ثلاث دقائق تعالت في المدينة أصوات عالية مزعجة منذرة بمصير أسود لما تبقى من المدينة ..

و سمعت الأم الصوت يقترب من منزلها و لمحت ست من الجرافات الضخمة و البلدوزارت تظهر عند مقدمة الشارع .. و أخذت هذه الآلات الضخمة المزعجة تتقدم بسرعة ثم فجأة .. بدأت في هدم المنازل الصغيرة على جانبي الشارع و تسويتها بالأرض .. لقد قرر الجنرال ألا يترك وراءه أي أثر يدل على الجريمة التي ارتكبها .. و من ذا الذي سيحاسبه على أي حال !!

وجدت الأم نفسها تصرخ بفزع بالرغم عنها وهرعت نحو طفلها وانتزعته من فوق المائدة و صرخ الطفل محتجاً و بقايا الشطيرة تتساقط من فمه ونصفها الآخر ما زال في يده .. و لكن الأم لم تأبه لصراخه هذه المرة بل جذبته معها قسراً نحو المطبخ و بصورة عصبية أخذت تفتح خزائن المطبخ الصغيرة وأخذت تختطف ما فيها من خبز و طعام طازج أو معلبات محفوظة و تلقي بها في كيس كبير التقطته من أحد الأدراج بصورة هستيرية .. و بمجرد أن فرغت من أخذ كل الأطعمة جذبت طفلها بمنتهى القوة و العصبية و هرعت به مرة أخرى نحو المخبأ .. و قد عزمت هذه المرة على أن تبقى حتى تتأكد تماماً من رحيل القتلة .. و لكنها في اضطرابها و ذعرها ولهفتها على النجاة لم تحسب حساباً لكل شيء !

...................................

وأوت الأم وصغيرها مرة أخرى إلى الملجأ الآمن .. و بقيت هناك مدة كافية لتطمئن تماماً على أنها ستكون بمأمن هي وطفلها عندما تخرج ثانية.. ومرت ساعة وساعتين وثلاثة والأم جالسة ساكنة في ركن ضيق وطفلها راقد بين ذراعيها في حالة أقرب للنوم .. كان الطفل هادئاً رزيناً و كانت الأم تمسد على رأسه بحنان والخوف و الألم و الحزن المرير على موت زوجها المفاجئ و قتله غدراً بهذه الصورة تعتصر قلبها و تدفع بالدموع الغزيرة لعينيها .. و لكنها كانت مجبرة على إخفاء كل هذه المشاعر المؤلمة من أجل طفلها المسكين الذي يتساءل بصورة مكررة عن والده وتجيبه الأم بنفس الإجابة :

- " لقد ذهب لعمل ما و سوف يعود ! "

حمداً لله إنها لم تسمح له برؤية والده قتيلاً في الحديقة وإلا ترتب على ذلك عواقب وخيمة !

كانت الأم مشغولة بأفكارها الكئيبة هذه عندما لفت نظرها فجأة صوت .. صوت غريب قادم من مؤخرة المخبأ التي لا تراها !

............................

أرهفت الأم سمعها جيداً وهي ترتجف خوفاً .. وكان أكثر ما تخشاه هو أن يكون القتلة قد كشفوا مكان المخبأ ووصلوا إليه .. ساعتها ستصبح هي وطفلها في خبر كان وسيموتا مكانهما ميتة الكلاب .. دون حتى أن يُسمح لهما بالحصول على دفن لائق أو جنازة !

وبتأثير مشاعر الخوف والذعر وجدت الأم نفسها تعتصر طفلها بين ذراعيها وفي حضنها حتى كادت بالفعل تخنقه .. و صرخ الطفل محتجاً وركل بقدمه في عنف وعندئذ تكرر الصوت الذي سمعته منذ برهة .. تكرر مجدداً و لكنه كان هذه المرة أعلى و أوضح !

و ذعرت الأم حقاً هذه المرة .. ذعرت وفزعت حتى أنها اختطفت طفلها وكادت تهرع به نحو باب المخبأ لتخرج إلى المنزل وليكن ما يكون .. عندما وجدت أمامها فجأة مخلوقاً غريباً ظهر فجأة وكأنما انشقت الأرض عنه !

كان هذا المخلوق بين بين لا تعرف ولا تستطيع أن تحكم بأنه رجل أو امرأة .. بل مجرد كتلة لحمية بلا لون .. شاحبة شحوباً يزيد على شحوب الموتى ثلاثة أضعاف .. ولها ؛ أو له ؛ شعر أبيض منتفش و عيون حمراء واسعة مخيفة تبرق بحنان نحوها ونحو طفلها !

روعت الأم وصرخت صرخة مدوية قمينة بأن تجلب كل القتلة والسفاحين ليس من الخارج فقط بل من أدغال الأمازون أيضاً .. و همت بأن تغادر المخبأ فوراً فالقتلة لابد أرحم من هذا الشبح أو الروح الشريرة الموجودة داخل المخبأ !

و جرت الأم بسرعة نحو مخرج المخبأ حاملة طفلها وكادت تمرق للخارج بسرعة البرق .. و لكن المخلوق الغريب أستوقفها قائلاً في صوت بشري عادي :

- " انتظري قليلاً لا تخرجي الآن و إلا سوف يقضون عليكِ وعلى الطفل ! "

و تريثت الأم قليلاً ثم نظرت بشك نحو المخلوق الغريب فأردف هذا الأخير بصوت لا يفرق في شيء عن صوت البشر :

- " أليس هذا طفلك ؟! "

فأومأت الأم برأسها رغم أن الذعر ما زال مستولياً عليها .. أما الطفل فقد نظر بشجاعة نحو المخلوق الغريب .. ثم و يا للغرابةاأبتسم له فارتجت ملامح المخلوق .. ثم ما لبث أن أفتر ثغره عن ابتسامة خاصة و ظهرت أسنانه الحادة و لثته الحمراء المخيفة !

...................................

ظلت الأم وهذا المخلوق يتبادلان النظرات طويلاً في صمت ثم تشجعت الأم وسألت ببطء :

- " من أنت يا سيدي ؟! "

سألتها هكذا بصيغة المذكر فابتسم المخلوق وأجاب قائلاً :

- " ألا أصلح أن أكون امرأة ؟! "

فدهشت الأم قليلاً ثم واصلت محاولات التعرف على هذا الشيء الماثل أمامها :

- " آسفة .. من أنتِ إذن .. من تكونين ؟! "

فأجابت المرأة بثقة :

- " ماريا .. اسمي  ماريا .. أعتقد أنهم لا زالوا يستخدمون الأسماء عندكم في الأعلى ؟! "

فازدادت دهشة الأم و حدقت بفزع في الوجه الشاحب الميت .. و لكن المخلوق أقدم على حركة غريبة .. فقد بادلها التحديق لثانية .. ثم فجأة دار على عقبيه و هم بمغادرة المكان والعودة من حيث آتي هكذا بدون أن يوضح أي شيء !

و وجدت الأم نفسها تصرخ وهي تتبعه ؛ أو تتبعها إذا صدقنا إنها امرأة اسمها  ماريا  ؛ بضع خطوات بحذر :

- " إلى أين .. إلى أين يا سيدتي ؟! "

فهتف المخلوق دون أن يكف عن المشي ودون حتى أن يستدير ليلتفت إليها :

- " لقد عرفت اسمي .. أما إذا أردت أن تعرفي من أكون فاتبعيني ! "

فسألت الأم بحذر :

- " إلى أين ؟! "

أجاب المخلوق الذي كاد يختفي في فجوة مظلمة في نهاية المخبأ :

- " إلى حيث الأمان لك و لولدك مدى الحياة .. أو بإمكانك البقاء هنا و انتظار الرصاصة القادمة و التي لن تكون طائشة هذه المرة ! "

و فكرت الأم قليلاً ..ثم وجدت نفسها كالمسحورة تسرع في نفس الاتجاه الذي اختفى فيه المخلوق الغريب الذي يحمل اسم " ماريا " .. دون أن تفكر في العواقب !

..................................

و مشت الأم بضع خطوات و تعمقت في ظلمة حالكة وظلام دامس وكان ما يثير دهشتها وعجبها هو طول الممر غير العادي .. فلم تتخيل أبداً أن زوجها يمكن أن ينشئ مخبأً بهذا الطول أو الحجم .. و لماذا ؟!

إنها بالطبع قد رأت المخبأ أثناء قيام زوجها ؛ بمساعدة اثنين من العمال ؛ بالعمل فيه سراً و تحت جنح الظلام و بالطبع أيضاً رأته عندما فرغ منه وتم إعداده .. و تذكر جيداً إنه لم يكن سوى حجرة مربعة ضيقة أسفل منزلهما ذات مدخل خفي في حجرة النوم .. و لم يكن أبداً بهذا الطول ولا متعمق داخل هذه الأبعاد المجهولة !

فمتى زاد طوله هكذا .. وهل كان زوجها يعمل فيه سراً و دون أن يخبرها .. أم أن الأمر فيه سر غامض .. أم إنها ببساطة حمقاء تمضي بطفلها من مصيبة إلى كارثة أكبر !

و المصيبة الأكبر أن تلك المسماة " ماريا " قد اختفت تماماً .. و لم يعد يظهر لها أي أثر !

و هكذا أصاب الخوف الأم وانتابتها نوبة ذعر .. فحملت طفلها وهمت بالجري في الاتجاه المعاكس والعودة من حيث أتت .. كان ذلك عندما رأت النور فجأة !

لم يكن نوراً عادياً .. بل ضوء قوي وهاج يبدو كضوء الشمس في الظهيرة .. و لكنه في نفس الوقت مكتوم وكأنه يصدر عن مصباح مغلف بالورق !

و عندما لمحت الضوء وجدت الأم نفسها تسير في اتجاهه ؛ وكأنها تسير في حلم ؛ وطفلها بين ذراعيها مغمض العينيين من عنف الوهج .. و مشت الأم بضع خطوات ليس إلا .. و لكنها كانت بالنسبة لها و كأنها قطعت ميداناً فسيحاً خالياً .. و أخيراً وجدت نفسها تهوي من ارتفاع شاهق و صراخ طفلها المذعور بين يديها يصم آذانها !

............................

فتحت الأم عينيها لتجد نفسها راقدة على فراش وثير في غرفة مربعة صغيرة مطلية باللون الأبيض الأشهب .. و كانت الغرفة خالية من أي شيء عدا الفراش الصغير .. أما الطفل فلم يكن له أي أثر حولها !

و يبدو أن السقطة التي سقطتها الأم أثرت على رأسها لأنها وجدت ضمادة موضوعة فوق مؤخرة رأسها ، كذلك فقد كان وعيها شبه غائب ؛ رغم إنها أفاقت من إغماءتها ؛ لذلك لم تدرك إلا بعد فترة اختفاء طفلها وعدم وجوده في أي مكان بالغرفة حولها .. و فتحت الأم فاها لتصرخ صرخة مذعورة مدوية !

و بمجرد أن أنفتح فمها وبدأت بالصراخ حتى هرع المخلوق المسمى " ماريا " إلى الأم و أخذت تهديء من روعها .. و لكن الأم التي أصابها الرعب على طفلها الصغير بدأت تصرخ و صدرها يعلو و يهبط بعنف و تتساءل عن طفلها .. و رغم كل محاولات " ماريا " لتهدئتها وتطمينها إلا أن الأم استمرت في الصراخ و الهستيريا بشكل ينذر بانفجار عصبي مدوي ..

و لكن فجأة كان الطفل في الحجرة يركض نحو أمه و في يده لعبة كبيرة من القماش وعلى وجهه ابتسامة سرور شقية .. احتضنت الأم طفلها بقوة و أخذت تسأله بصوت متهدج عن المكان الذي كان فيه .. فأجابها الطفل سعيداً :

- " كنت أركض و ألعب في المكان يا أمي .. ما أكبر هذه البلاد يا أمي .. إنها أكبر من العالم كله !"

و دون كلمة أخرى أنزلق الطفل من حضن أمه وجرى مبتعداً .. فمدت أمه يدها لتستبقيه .. و لكن " ماريا " تدخلت و قالت للأم :

- " دعيه يذهب .. و تعالي أريكي شيئاً هاماً ! "

و ترددت الأم قليلاً .. ولكنها في النهاية حسمت أمرها وأعطت يدها لـ " ماريا " و سمحت لها بأن تقودها إلى العالم العجيب الرابض حولها !

...........................

لم تصدق الأم عينيها .. و هي معذروة في ذلك .. فمن كان مكانها و سيصدق كل ما يراه !

عالم كامل .. مدينة متكاملة .. شوارع ومحلات ومدرسة كبيرة ومعبدين صغيرين .. بل وميدان فسيح به نافورة .. والأكثر غرابة مسرح كامل مبني على الطراز الروماني .. كل شيء .. كل شيء تجده أو تتوقع أن تجده في مدينة كبيرة .. لا يوجد سوى اختلاف واحد .. أن المدن الأخرى تظللها السماء الزرقاء أما هذه فتظللها صخور رمادية صلبة !

ظلت الأم تجول بثوبها الأبيض القصير ؛ وخلفها " ماريا " ؛ تتأمل في ذهول و دهشة هذه المدينة الجبارة القائمة بالكامل تحت الصخور .. تحت الأرض الصلبة القاسية التي لا يتصور أحد أن تحتها توجد مدينة كهذه !

كادت الأم تجن .. شعرت بحمى تلتهم خلايا مخها ، آلاف الأسئلة تدافعت إلى رأسها كالطوفان فلم تعد تعرف بأي سؤال تبدأ ..

و هكذا ظلت تتأمل ما حولها بدهشة ؛ و كثير من الرعب ؛ و هي شبه عاجزة عن الكلام .. و أخيراً جداً وجدت صوتها لتسأل :

- " من أنتم ؟! و كيف بنيتم كل هذا .. و لماذا ؟! "

..........................

و مرت عشرة أعوام طويلة !

أشرقت الشمس على المدينة فملأت الشوارع وغطت أسطح البيوت ونوافذ العمارات و واجهات المحلات .. و لمعت أشعتها الذهبية فوق الأبواب المعدنية و اللوحات البراقة والصلبان الفضية فوق قباب الكنيسة الحديثة البناء ..

كانت هناك مدينة جديدة .. مدينة بُنيت على أنقاض المدينة القديمة التي شهدت مذبحة رهيبة وهُدمت بالكامل منذ نحو عشرة أعوام .. و من هذه المذبحة ومن ضحاياها الأبرياء أخذت المدينة أسمها ( مدينة الشهداء )

و توافد السكان على المدينة الجديدة فاكتظت بهم في سنوات قليلة .. و هكذا ولدت الحياة مكان الموت !

و عاش سكان مدينة ( الشهداء ) حياتهم طولاً وعرضاً كما يعيش غيرهم من البشر .. و لكن أحد منه ؛ حتى أكثرهم خيالاً و خبالاً ؛ لم يتصور أو يتخيل للحظة أن هناك و تحت أقدامهم مباشرة توجد مدينة أخرى .. أكبر من مدينتهم و أفخم و سكانها أفضل منهم و أكثر !

و كانت السنوات قد مرت أيضاً على من هم تحت الأرض .. مرت السنوات فشاب الشباب و كبر المراهقين و صاروا رجالاً و نساء ناضجين .. و شب الأطفال فصاروا شباباً صغار يخطون نحو أول مراحل الرجولة !

كان كل شيء يسير في المدينة المدفونة بشكل طبيعي .. و الناس هناك يجدون كل ما يتمنون عدا شيء واحد .. النجوم و القمر و الشمس .. لقد نسوا الشمس حتى أن بعض سكان المدينة كانوا لا يعرفون معنى لكلمة الشمس أصلاً !

.....................

كان " ريكاردو " شاباً يافعاً في عامه السادس عشر .. يعيش مثلما يعيش غيره من الشباب في المدينة المدفونة .. إلا إنه يختلف عنهم في شيء واحد .. لقد عاش من قبل على سطح الأرض حيث توجد النجوم والشمس والقمر و هو يعرف أشكالهم ؛ أو يظن أنه يعرف أشكالهم ؛ جيداً !

كان " ريكاردو " لا يذكر كيف جاء إلى هنا بالضبط و متى و كيف .. و لكنه كان يذكر شيئاً واحداً .. ضوء الفجر الشاحب و هو يتسرب من بين طيات ستارة رقيقة تعبث بها الريح في الصباح الباكر !

و كثيراً ما كان " ريكاردو " يسأل أمه و هو مستلق في حجرها عن الشمس التي يسمع عنها كثيراً .. فكانت أمه تجيبه باقتضاب و هي تغمره بحنانها المعهود :

- " إنها قرص كبير .. قرص كبير مضيء ! "

و لكن تساؤلات " ريكاردو " لم تكن تتوقف عند هذا الحد .. بل كان يسأل أساتذته في المدرسة وأصدقائه ولداته المراهقين .. و حتى حبيبته الصغيرة الفاتنة " مارا " كان يسألها أيضاً .. و دائماً هو نفس السؤال !

لم يكن " ريكاردو " سيء إلى هذا الحد .. بل هو شاب جريء طموح مجتهد .. و لولا شغفه بالأسئلة السخيفة التي تثير غضب أولياء الأمر في المدينة المدفونة لوجد أمامه مستقبلاً باهراً !

كان أصحاب الأمر و النهي في المدينة المدفونة قد وضعوا قانوناً يمنع سكان المدينة من الكلام بشأن العالم الموجود بالأعلى أو التفكير فيه .. و كانوا كذلك ينعون الآباء والأمهات من التحدث بشأنه أمام أطفالهم أو تعريفهم أنه يوجد عالم آخر .. عالم يقع فوق رؤوسهم بمئات الأمتار !

و كان الجميع يلتزمون بهذا القانون .. إما لأنهم يحملون أسوأ الذكريات للعالم العلوي و لا يريدون التحدث بشأنه .. أو لأنهم ولدوا في المدينة المدفونة ولا يعرفون شيئاً عن هذا العالم الآخر أساساً !

و لكن قدوم " ريكاردو " و أمه إلى المدينة كان بداية للمشاكل .. لقد عاش " ريكاردو " و أمه سنوات طويلة في العالم العلوي قبل أن تحدث مذبحة رهيبة في مدينتهم تجبرهما على اللجوء لملجأ تحت الأرض .. و هناك وجدتهم " ماريا " بالصدفة و أحضرتهما إلى المدينة بدافع الشفقة رغم أنها لم تستأذن أحداً قبل أن تفعل ذلك !

في البداية وجدت الأم و طفلها ترحيباً من سكان المدينة المدفونة .. الذين كانوا رغم حياتهم بعيداً عن التجمعات البشرية على قدر كبير من اللطف و اللياقة ولديهم من الخلق أكثر مما لدي سكان العالم العلوي لحسن الحظ !

و هكذا عاشت الأم و طفلها " ريكاردو " في المدينة و وسط أهلها على الرحب و السعة .. و عرفوا سر المدينة ووجودها بعد أن أقسمت الأم ؛ باعتبارها بالغة عاقلة ؛ على الولاء للمدينة المدفونة و البقاء فيها مدى الحياة و عدم محاولة الخروج منها و العودة للعالم العلوي !

و كان كل شيء متوفر في المدينة المدفونة .. فالطعام متوفر و موجود بكثرة .. فقد توصل سكان المدينة المدفونة لأساليب علمية تجعلهم يستطيعون زراعة كل و أي أنواع من النباتات و المحاصيل دون الحاجة إلى أشعة الشمس !

و بهذه الطريقة حصلوا على كافة أنواع المحاصيل و حتى الفاكهة و الخضراوات كانت مكدسة في المدينة .. و المياه كان يتم الحصول عليها عن طريق مسقط مائي عملاق تم أخذه عن طريق الحفر أسفل مجرى الأمازون ليصب في المدينة المدفونة و يرويها بالمياه دون أن يلاحظ مخلوق ذلك !

و لم يصب سكان المدينة بالعمى فهم يستخدمون أنواع من الضوء الصناعي المبهر .. ضوء يجعلك تشعر أنه ضوء الشمس الذاتي لولا أنه كان نور أخضر بارد و ليس أصفر حار كضوء الشمس !

و العلم والتعليم متوفران في المدينة .. و لكن بشرط .. عدم ذكر أي شيء عن العالم العلوي البغيض !

و هكذا كان طلاب المدارس في المدينة يعتقدون أن " فيثاغورث " و " ابن سينا " و " اينشتاين " و " شكسبير " و " هوميروس " كانوا يعيشون في مدن أخرى بعيدة .. فقط و دون أي اختلاف بين مدنهم و هذه المدينة !

حتى الكتب والتي كان هناك من يحصلون عليها و يبيعونها لمندوبي المدينة المدفونة سراً وبمبالغ باهظة كان هناك تشديد رقابي صارم عليها .. فالكتب التي تتحدث عن الشمس أو القمر أو علم الفلك أو الخرائط أو الجغرافيا أو القارات أو كوكب الأرض ممنوعة ممنوعة و دون نقاش !

و كانت حصيلة هذا الحظر الواعي الدقيق أن ثلاثة أرباع سكان المدينة المدفونة لم يكن يعرفون أن هناك عالم ضخم فوقهم .. و الربع الباقي يعرفون ذلك و يتكتمونه إما عن رغبة أو عن خوف !

و لكن المشكلة الكبرى بدأت عندما شب الغلام " ريكاردو " .. و بدأت تراوده الأحلام .. أحلام غريبة سخيفة عن الفجر الذي يتسرب من بين الستائر .. الفجر الأزرق !

..........................

كان " ريكاردو " يسير في الميدان الرئيسي للمدينة ممسكاً بيد صديقته و حبيبته " مارا " .. كان سعيدين جداً و يتجولان معاً بحرية و يتحدثان في كل أنواع الموضوعات .. و فجأة وقف " ريكاردو " مكانه للحظة ثم قال ل" مارا " :

- " أنت ولدت هنا يا مارا  .. أليس كذلك ؟! "

فتعجبت  مارا من السؤال فهو يعرف جيداً أنها ولدت هنا .. و هي أصلاً لا تعرف أن هناك مكان آخر سوى هنا !

أومأت  مارا  برأسها فهتف ريكاردو "بشفقة :

- " مسكينة ! أنت إذن لم تشاهدي الفجر و لو مرة واحدة في حياتك ! "

فسألته مارا  بقلق :

- "  ريكاردو ... يجب أن تكف عن هذه الأحاديث ! إنهم تغضب حكام المدينة ! "

و كانت هذه هي الإجابة التي يتلقاها  ريكاردو  في كل مرة يسأل أو يتحدث فيها عن العالم العلوي أو ما فيه ..

و لكن في اليوم التالي وجدت أم  ريكاردو  نفسها في موقف حرج للغاية .. لقد استدعاها نائب حاكم المدينة إلى مكتبه .. و هناك انذرها بأنه إذا لم يكف ولدها عن إفساد شباب المدينة و التحدث معهم بشأن العالم العلوي .. فسيتم طردها هي وهو من المدينة !

..........................

كانت الستائر تتحرك .. هبت ريح رقيقة فعبث نسيمها الهفهاف بقماشها الحريري الأزرق فتحركت بلطف .. و من فرجة الستار ظهر قرص لامع .. قرص لامع أبيض كبير مضيء .. تسلل ضوءه النقي اللامع فطغى بريقه على ألوان أغطية الفراش و ملاءته .. و أخذ القرص يقترب ويقترب ويتضخم ويتضخم حتى شعر ريكاردو  أنه مغمور تماماً في نبع من الضوء الأبيض الأزرق الجميل ..

و شعر  ريكاردو  بالسعادة .. و أخذت سعادته تزداد وتزداد حتى شعر كأنه طائر صغير يفرد جناحيه و يحلق في اتجاه هذا القرص الأبيض الجميل !

و اخذ ريكاردو  يسبح في نبع النور الصافي .. يسبح و يسبح و يسبح !

........................

في اليوم التالي لتسلمها هذا الإنذار حدثت مشادة كلامية حامية بين ريكاردو وأمه .. انتهت بمخاصمة بينهما لأول مرة منذ أن ولد هذا الشاب المثير للمتاعب .. لكن المصيبة أن  ريكاردو  بدأ يفكر في شيء خطير للغاية .. و قرر أن ينفذه فعلاً مهما كانت العواقب !

خلال أسبوع بعد هذا الموقف بدأت المدينة المدفونة تتهيأ للاحتفال بعيد تأسيس المدينة الثامن والتسعين بعد التسعة آلاف !

و لذلك زينت البيوت والطرقات والمدارس والمعابد .. و حتى دار الحاكم تهيأت لاستقبال المهنئين والمحتفلين بهذه المناسبة السعيدة .. و ارتدى سكان المدينة أجمل ما لديهم من ثياب و منهم ريكاردو  وأمه و صديقته  مارا .. و تجمع شعب المدينة في الميدان الكبير والتفوا حول حاكم المدينة يستمعون لخطبته القصيرة البليغة .. ثم نزل الحاكم من فوق المنصة و أندمج وسط الناس وبدأ الجميع يرقصون و يضحكون و يتسامرون !

و في هذه اللحظة كان  ريكاردو قد أنسل من وسط الجموع دون أن يلحظه أحد .. و لا حتى أمه .. كذلك اختفت  مارا  من وسط صديقاتها !

و بعد دقيقة واحدة كان ريكاردو  يجري بسرعة عابراً ممر مظلم بالغ الطول ساحباً معه مارا التي لم تكن تفهم ماذا يريد بالضبط !

قالت " مارا " و هي تسحب يدها من يده بعنف :

- " توقف .. أنتظر ! أين تريدنا أن نذهب بالضبط ؟! "

فأجابها  ريكاردو  بصوت مبهور متقطع الأنفاس من فرط الإثارة :

- " سنذهب .. سنذهب لنرى العالم العلوي .. سنخرج إلى الأرض ! "

فصرخت  مارا بفزع و قالت غير مصدقة :

- " هل جننت يا  ريكاردو  .. ماذا دهاك ؟ّ هل نسيت أن سطح الأرض مليء بالديناصورات المتوحشة و الزواحف العملاقة المفترسة ؟! "

فرد عليها ريكاردو  باستخفاف :

- " هراء يا فتاة .. كل ما قالوه لنا في المدرسة هراء .. إنهم يخيفونا ليمنعونا من محاولة الخروج إلى العالم العلوي .. ليس هناك ديناصورات و لا زواحف مفترسة .. لقد اندثرت كل هذه المخلوقات منذ ملايين السنين ! "

فقالت  مارا  بخوف :

- " ولكن كيف تعرف ذلك .. هل أنت أكثر علماً من أساتذتنا و حكام مدينتنا ؟! "

فأحتد ريكاردو  وصرخ في وجهها :

- " أنسيت أنني كنت أعيش هناك يا مغفلة .. كنت أعيش هناك هل تفهمين ذلك ؟! "

و لما وجد أنه أرعب الفتاة دون مبرر خفف ريكاردو  من حدته و قال لها بصوت حنون متوسل :

- " أرجوك يا مارا دعينا نخرج لهناك لبعض الوقت .. الأرض جميلة من الخارج .. جميلة جداً يا  مارا .. فهناك الأرض المنبسطة و المروج الخضراء و هناك الفجر حيث يتسرب اللون الأزرق المذهل من بين فرجات الستائر .. الفجر الأزرق ! "

و أذعنت  مارا  ووضعت يدها في يد ريكاردو  ؛ الذي سيدفعها حبها له إلى حتفها فيما يبدو ؛ و بدآ يعبران هذا الممر المظلم المخيف ..

كانت هناك أربع ممرات سرية في المدينة المدفونة تنتهي بفتحات التهوية التي تتيح للهواء الجوي التسرب للمدينة و السماح لأهلها و مخلوقاتها بالتنفس ..

و كانت كل هذه الممرات الأربع سرية لا يعرف مكانها سوى حاكم المدينة وقليل من المتحكمين في شئون المدينة .. و لكن من سوء الحظ أن أحد هذه الممرات الأربع كان هو نفسه الممر الذي قطعه ريكاردو بصحبة ماريا منذ سنوات طويلة للدخول إلى المدينة المدفونة .. الممر الذي ينتهي في المخبأ الموجود تحت بيت  ريكاردو  القديم فوق الأرض .. الممر الذي تذكره أقدام ريكاردو  أكثر مما يذكره عقله !

فجأة توقفت مارا  مكانها و أبت أن تواصل المسير و قالت لـ  ريكاردو  متوسلة :

- " هلم نعد يا  ريكاردو  ... أنا خائفة ! "

فأخذ  ريكاردو يحاول تطمينها وتهدئتها و إقناعها بمواصلة المسير معه .. كانا قد قطعا نصف الممر .. و هي لم يكن لديها نية لاستكمال الأمر أما هو فلم يكن لديه أي استعداد للتراجع عنه !

و هكذا افترقا عند منتصف الطريق .. مع وعد بان يتلاقيا قريباً في المدينة المدفونة .. و سار ريكاردو  بمفرده خارجاً إلى العالم العلوي الذي لا يعرف عنه شيئاً !

...........................

أخذ  ريكاردو  يسير و يسير ويجد في السير .. لم يكن واثقاً من نفسه إلى هذا الحد .. فهو يخشى أن يضل الطرق أو يصل لنهاية مسدودة بعد أن أضطر لقطع ستة كيلومترات على قدميه .. كما عرف ذلك من ساعة قياس المسافات التي يرتديها . و لكن الجميل في الأمر أن هذا الممر اتجاه واحد و لا توجد به أي تفريعات أو قنوات فرعية و ذلك سهل له مهمته كثيراً !

و هكذا واصل  ريكاردو  السير و قطع نحو سبعة أميال عندما وصل إلى حائط مسدود أمامه !

صرخ ريكاردو  في يأس .. هذه هي نهاية محاولته الفاشلة !

الحائط مسدود يا  ريكاردو .. أتحسب أن حكام المدينة نائمون على آذانهم و سيتركون الممرات المفتوحة لكي يفاجئوا في كل يوم بوجه سمج من وجوه سكان العالم العلوي يتسلل لمدينتهم دون مناسبة !

و لإصرارهم على حماية مدينتهم وسكانها و سرها الخالد الذي يبلغ عمره آلاف السنيين قام حكام المدينة بسد كل ممرات التهوية القديمة و صنعوا فتحات جديدة لا يعرف مكانها أي أحد عدا حاكم المدينة و مسؤول الإنشاءات بها .. و حتى العمال الذين قاموا بعمل هذه الفتحات نسوا كل ما يعرفونه عنها بمجرد جرعة واحدة من أحد الأشربة السرية في المدينة !

و كن الإصرار في نفس ريكاردو كان أقوى من كل ما يدبرون .. وهو كان يتوقع شيئاً كهذا على العموم .. لذلك فقد مد يده إلى الحقيبة الصغيرة التي يحملها وأخرج منها بهدوء معول صغير .. و تقدم نحو الحائط السمج الذي يقف في سبيل رؤيته للقرص الأبي اللامع و بدأ في توجيه ضربات قوية مصممة له !

في البداية كان الحائط صامداً مصراً على المقاومة .. لكنه بدأ يذعن تحت وقع الضربات القوية المليئة بالغل التي يوجهها له ريكاردو

.. والحقيقة أن حكام المدينة بذلوا جهدهم لإخفاء وغلق الممر من الخارج .. لكنهم لم يهتموا كثيراً بالطبقة الداخلية على اعتبار أنهم دائماً يتوقعون أن يأتيهم الدخيل من الخارج .. لكن من الصعب عليهم أن يتصوروا أن أحد سكان مدينتهم هو الذي سيحاول الخروج !

.........................

بعد ساعات كان ريكاردو قد انتهى من تحطيم الطبقة الداخلية من الحائط الذي يسد فتحة الممر و صنع فتحة كبيرة بإمكانه أن يقف فيها ليبدأ في تحطيم الطبقة الخارجية .. التي كانت لسوء الحظ أكثر قسوة و أبلغ مقاومة !

و هكذا مضى  ريكاردو بكل العزم والغل داخله يضرب الحائط و يضربه حتى كلت يده و تقرح كفيه .. و لكنه واصل العمل رغم أن قروح يديه بدأت تدمى من فرط العمل الشاق المتواصل ..

و لكن دون فائدة فالغلام كان مصراً على تحطيم الحائط .. حتى لو حطم نفسه معه !

و أخيراً .. أخيراً بدأ السد الخارجي يتفتت .. و بدأ فتحة صغيرة تظهر .. ثم أخذت تتسع و تتسع .. حتى أصبح بإمكان  ريكاردو  أن يخرج رأسه منها و يرى .. يرى العالم الخارجي يتألق في سمائه القرص الأبيض الكبير .. و يغمره نور أزرق بديع .. نور الفجر الأزرق !

......................

و بدأ هواء العالم الخارجي يتسرب إلى رئتي  ريكاردو الذي أحس بثقل يجثم على صدره فجأة و بدأ تنفسه يضيق بشكل ما .. و لكن شيء ما لم يكن ليمنعه من تحقيق حلمه الذي انتظر سنوات طويلة ليراه !

و هكذا وبضربة قوية ملهوفة سقط آخر جزء من السد الخارجي ..و خرج  ريكاردو  إلى العالم الخارجي !

تسرب من الفتحة بصعوبة .. و لكنه تمكن من إخراج جسده وسحبه للخارج .. و خرج تماماً ليجد حوله منطقة خالية ليس بها بيوت ولا أي نوع من المخلوقات الحية .. لقد كان هذا هو الجزء المهجور من ( مدينة الشهداء ) ..

الجزء الذي كان فيه منزل أسرة  ريكاردو قديماً و الذي أصبح فيما بعد مرتعاً للأشباح والمخلوقات الغريبة التي تطوف ليلاً .. مما جعل سكان المدينة يمتنعون عن سكنى هذا الجزء لأنهم يتشاءمون منه ..

و لكن شيء من كل هذا لم يكن يشغل  ريكاردو  فضلاً عن أنه لا يعرفه .. بل ما كان يشغله هو أن يغمر نفسه في ضوء هذا القرص الأبيض اللامع المبهر .. و لكن المشكلة أنه لم يعد يستطيع التنفس ..

فجأة ضاق تنفسه بشكل مخيف .. و أخذت آلام مخيفة تمزق صدره .. فهوى على الأرض و خلع سترته و قميصه ليتمكن من التنفس .. و لكن هيهات !

قبضة عاصرة شرسة تعتصر رئتيه و تفرم صدره ..

و هكذا سقط  ريكاردو عاجزاً عن التنفس على أرض حلمه ..

و لم يستغرق الأمر فترة طويلة .. فبعد أقل من ربع ساعة كان قلبه قد توقف عن العمل بعد أن توقف تنفسه تماماً !

............................

في الساعة الحادية عشرة مساء مرت سيارة الزوجين ( بلفور) والذين هما من سكان مدينة الشهداء في الناحية الجنوبية المهجورة من المدينة .. كانا يمضيان بسيارتهما بسرعة لا يلويان على شيء .. و لكن الزوجة (سامنتا ) لاحظت فجأة شيء مكوم في ركن قريب من الطريق .. فطلبت من زوجها النزول و لكنه تردد بسبب ما سمعه من إشاعات عن الأشباح و المخلوقات المخيفة التي تسكن هذا الجزء من المدينة .. و لكن ( سامنتا) قالت له متوسلة :

- " هلم يا عزيزي .. ربما يكون إنسان مسكين بحاجة للمساعدة .. أرجوك ! "

و أذعن الزوج ونزل من السيارة و معه زوجته .. و بدآ يقتربان بحذر و توتر من الشيء الراقد على جانب الطريق .. و لم يكن الأمر صعباً فالقمر بدر هذه الليلة والرؤية واضحة للغاية .. و على ضوء القمر الأزرق شاهدا مخلوق يشبه الرجل لكنه شاحب شحوب غير طبيعي إطلاقاً ..

تفحصه الزوج بحذر فوجد تنفسه و نبضه منتهيان فأومأ لزوجته بنظرة ذات معنى فهمته على الفور ..

و هكذا ركض الزوجان خائفين وكان شيطاناً يطاردهما وعادا إلى سيارتهما انطلقا بها بأقصى سرعة .. لابد أنه قتيل ولابد أن هناك جريمة في الأمر ، وهما لا يريدان التورط أكثر من ذلك ..

و انطلقت عربة الزوجان تاركة المخلوق الشاحب ملقى على جانب الطريق .. بينما كان نور القمر يغمر الأرض .. النور الأزرق !

............................................إنتهت

تأليف : منال عبد الحميد

كل ما تريده في مدونة واحدة . قانون منوعات برامج قصص وغيرها

كل ما تريده في مدونة واحدة . قانون  منوعات برامج قصص وغيرها

الاثنين، 17 يناير 2011

الفرق بين الفدراليه والكونفدراليه ..


الفرق بين الفدراليه والكونفدراليه ..



أولا: الفيدرالية الفيدرالية ..



تعني الاتحاد الاختياري أي التعايش المشترك بين الشعوب و الاقليات وحتى بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة كما الحال في ألمانيا و الاتحاد الاختياري هو أحد ممارسات حق تقرير المصير، المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة . وعرفت الفدرالية بتعريفات عدة منها(( الدولة الفدرالية، هي دولة واحدة،تتضمن كيانات دستورية متعددة،لكل منها نظامها القانوني الخاص و استقلالها الذاتي،وتخضع في مجموعها للدستور الفدرالي،باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي،وهي بذلك عبارة عن نظام دستوري و سياسي مركب)).



ثانيا: الكونفيدرالية..



هو اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام بعد عقد معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي تهدف الدولة الكونفدرالية إلى تحقيقها ويتمتع كل عضو فيها بشخصيةٍ مستقلة عن الأخرى وتديرها هيئات مشتركة..تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة وهذه الهيئة تسمى الجمعية العامة او المؤتمر وأعضائها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها،وتصدر القرارات بالإجماع، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.



الفرق بين الدولة الفيدرالية والكونفيدرالية



1- لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي. أما أعضاء الدولة الفيدرالية فلا يحق لهم ذلك ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية في الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية).



2-لدول أعضاء الدولة الكونفدرالية حق إعلان الحرب وليس بإمكان أعضاء الدولة الفيدرالية(حكومات الأقاليم) ذلك ، لأن ذلك من صلب صلاحيات الحكومة المركزية(الحكومة الفيدرالية).



3-الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية حرب دولية، أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفيدرالية فهي حرب داخلية (إقليمية).



4-كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه وحده وليس بقية الأعضاء والعكس هو الصحيح في الدولة الفيدرالية.



5-تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء ، أما في الدولة الفيدرالية الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضائها.



6-يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة،أما أعضاء الدولة الفيدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم وجزء لا يتجزأ من الدولة الفيدرالية.



7-مواطنو الدولة الكونفدرالية يتمتعون بجنسية بلدهم وليست هناك جنسية موحدة للدولة الكونفدرالية،أما مواطنو الدولة الفيدرالية يتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفيدرالية وهناك جنسية موحدة للدولة الفيدرالية عكس الدولة الكونفدرالية تتعدد الجنسيات بتعدد الدول.



8- في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول بتعدد الدول، حيث لكل دولة رئيسها،آما الدولة الفدرالية(المركزية) تتميز بوحدة رئيس الدولة وسيادة موحدة

الثلاثاء، 11 يناير 2011

القانون الدولي العام.. مصادره. مظاهر سيادة الدولة.. التطور الجديد للقانون الدولي الاتحادات الكونفدرالية والدولة الفدرالية

مصادر القانون الدولي العام

-1 المعاهدات الدولية

-2 العرف الدولي

-3 أحكام المحاكم الدولية

-4 مبدأ العدالة الدولية

-5 الفقه الدولي

: اتفاق مكتوب بين أشخاص القانون الدولي يترتب عليها آثار قانونية



-- تعد المعاهدات المصدر الأول المباشر لإنشاء قواعد قانونية دولية



المعاهدات: هي القواعد القانونية الغير المكتوبة بين أشخاص القانون الدولي

-- يعد العرف المصدر المباشر الثاني لانشاء قواعد قانونية دولية

- ويتضح وجود القانون الدولي العرفي في وجود مجموعة كبيرة من القواعد التي تشكل القسم الاكبر من القانون الدولي العام المعترف به الى ما بعد القرن التاسع عشر بقليل

- والعرف الدولي الملزم مجموعة من الاحكام القانونية انبثقت من عادات واعراف عدد صغير من الدول ، ثم تبنتها دول اخرى بالنظر الى فائدتها ، بحيث انتهى قبولها بوجه عام في النهاية الى قواعد جديدة في القانون تنطوي على التزامات معينة

- ويستخلص من هذا الحكم ان العرف الدولي ، شأنه شأن العرف الداخلي ، له عنصران وهما العنصر المادي والعنصر المعنوي

- فأما العنصر الماد ي فهو صدور تصرف معين في حالة معينة . ولا يشترط ان يكون التصرف ايجابيا ، بل ان التصرف السلبي او الامتناع قد يكفي

- غير ان التصرف المادي هذا لا يكفي وحده لانشاء القاعدة العرفية بل يلزم ان يقترن التصرف المادي بذلك العنصر المعنو ي . وهو اعتقاد الدول بوجوب تطبيق تلك القاعدة على سبيل الإلزام القانوني وان من سيخالفها سوف يناله جزاء



- اذا عرض على المحكمة نزاع وما لم يوجد في المعاهدات أو في العرف نص يحكم موضوعى هذا النزاع فعلى المحكمة ان تطبق مبادئ القانون العامة التي أقرتها الامم المتحضرة

- كما طبقت محكمة العدل الدولية مبادئ القانون العامة في عدد اخر من القضايا . ومن امثلة ذلك الحكم الذي صدر من المحكمة في قضية مضيق كورفو بتاريخ 9 نيسان 1949



-- تشكل قرارات المحاكم ، عند تطبيق الدولي ، المصدر الاستدلالي الاول للقانون الدولي

- وقد بدأت قرارات المحاكم الدولية ، من ناحية ثانية ، تلعب دورا مهما متزايد ا في تحديد وجود قواعد القانون.



- ويضاف الى المصدر الاستدلالي السابق مصدر ثان ، وهو مذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام في مختلف الامم .

- والحقيقة ان القانون الدولي مدين منذ القدم بدراسات مجموعة قديمة من العلماء تولوا شرح قواعده وبناء نظرياته . ومجموع ما نشر من ابحاث ومؤلفات هؤلاء العلماء يسمى بالفقه الدولي.



: مجموعة من الافراد تقطن بصفة دائمة في اقليم معين وتخضع لسلطة عليا ****

فوجود الدولة كما يتبين يستلزم توفر عناصر ثلاثة هي :

اولا : مجموعة من الافراد.

ثانيا : اقليم معين تقيم عليه هذه المجموعة.

ثالثا : هيئة حاكمة ذات سيادة.,-.

1- الشعب : اول عناصر الدولة العنصر الانساني وهو الشعب . وهو مجموعة من كلا الجنسين يعيشون معا كمجتمع واحد بغض النظر عن الخلافات التي قد توجد بينهم من حيث العرق او الاصل او الدين او اللغة ولا يشترط لق يام الدولة ان الدولة يصل عدد افراد شعبها الى قدر معين .

2- الاقليم : لابد لقيام الدولة من ان يكون لها اقليم محدد يقطن عليه شعبها بصورة دائمة .

ويشمل الاقليم عادة رقعة من الارض ورقعة من الماء وفضاءاً جويا يعلو الارض والماء..

*** اكتساب الاقليم توجد خمس وسائل للحصول على حق في الارض تعترف بها الدول اليوم وهذه الوسائل هي : الاستيلاء والاضافة ، والتنازل والفتح والتقادم

3- التنظيم السياسي : ويشترط أيضا لقيام الدولة قيام هيئات حاكمة منظمة تتولى ممارسة السيادة على رعاياها . وهي التي تؤكد وحدة الدولة ، وتظهرها في مواجهة الدول الاخرى كوحدة متميزة لها شخصية دولية تبقى مهما تغير أشخاص الحكام.



**** مظاهر السيادة :

*الاول مظهر داخلي..

مبناه حرية الدولة في تصريف شؤونها الداخلية ) وفرض سلطانها على ما يوجد في اقليمها من الاشخاص والاشياء ،

*والثاني مظهر خارجي..

مبناه استقلال الدولة بادارة علاقاتها الخارجية بدون ان تخضع في ذلك لأية سلطة عليا.



أ- النظرية التقليدية في سيادة الدولة: ان الحق في وجود مستمر يعني الابقاء على سيادة ووحدتها بواسطة الدفاع عن النفس أو بأية وسيلة اخرى .

ب - النظرية الحديثة لمفهوم سيادة الدولة: الواقع ان نظرية السيادة أسئ استخدامها لتبرير الاستبداد الداخلي الفوضى الدولية . ...... ***** ولقد ادت هذه النظرية الى اعاقة تطور القانون الدولي *****



--- ويرى البعض وفي مقدمتهم الفقيه ليون ديجي : أن معيار السيادة معيار خاطئ من الناحية القانونية للاسباب التالية :

أ- ففي داخل الدولة ، نجد انه مع التسليم بأن الدولة هي السلطة صاحبة الاختصاص العام ، وانها لا تخضع لسلطة اعلى ، لا يمكن القول بأنها مطلقة التصرف ، فالدولة ليست غاية في ذاتها وانما هي وسيلة لتحقيق غاية هي اسعاد رعاياها ، وكل تصرفات الدولة يجب ان تهدف الى هذا الغرض .

ب - أما في مي دان العلاقات الدولية ، فلا يمكن قبول هذه النظرية لانها تقرر شيئا مستحيلا وهو وجود اكثر من دولة ذات سيادة في نظام قانوني واحد هو القانون الدولي.



***** التطور الجديد للقانون الدولي.

لقد اتجه الفقهاء الذين يرفضون فكرة السيادة ، بمفهومها التقليدي الى الاخذ بمبدأ السيادة النسبية ، أي السيادة المقيدة بالقواعد الدولية التي تشارك الدول في وضعها وتتقبلها برضاء وحرية هي تلك الدولة التي تنفرد فيها سلطة او هيئة واحدة بممارسة الشؤون الداخلية والخارجية فيها . واكثر دول العالم من هذا النوع كالاردن والعراق ، وفرنسا والسويد ، ... الخ .

- ولا يؤثر في اعتبار الدولة بسيطة اتساع رقعتها ، او كونها مكونة من عدة أقاليم او مقاطعات تتمتع بالإدارة المحلية . كما لا يؤثر من وضع الدولة كدولة بسيطة كونها تتكون من إقليمين او أكثر لا يوجد اتصال ارضي بينهما كما هو الحال بالنسبة للباكستان سابقا

: يعتبر الاتحاد الشخصي قائما عندما تنضم دولتان معا بحيث يكون لهما حاكم واحد.



**تبرز الاتحادات الكونفدرالية الى حيز الوجود حين ترتبط عدة دول مستقلة بموجب معاهدة في اتحاد له مؤسسات حكومية تخول صلاحيات محددة تمارسها على الدول الاعضاء لا على رعايا هذه الدول . ولا تعتبر مؤسسات الاتحاد حكومة عليا يعلو سلطانها وتنفذ كلمتها على جميع الدول وانما يقتصر عملها على تكوين السياسة العامة للدول الاعضاء في المسائل التي تدخل في اختصاصها . وتظل كل دولة من اعضائه وحدة منفصلة من رعايا القانون الدولي تستطيع عقد معاهدات مع بلدان اخرى وتحتفظ بتمثيلها الدبلوماسي في الخارج وتتصرف كدولة مستقلة في جميع المجالات تقريبا .



** الدولة الفيدرالية هي اتحاد دائم من عدة دول كانت في الاصل مستقلة ، له مؤسساته الحكومية ويتمتع بسلطة على الدول الاعضاء وعلى رعايا هذه الدول . والدولة الفيدرالية دولة حقيقية من وجهة نظر القانون الدولي بالنظر الى السلطة الواسعة التي تتمتع بها الحكومة المركزية على رعايا الدول الاعضاء . والدولة الفيدرالية هي الدولة الوحيدة المخولة صلاحية اعلان الحرب وعقد الصلح وعقد المعاهدات السياسية والعسكرية الدولية من المعلوم ان الدول هي الاشخاص الاساسية للقانون الدولي ، وهي أوسع هذه الاشخاص اختصاصا وسلطة للإجابة على ذلك نقول ان الدولة قد تنشأ على أحد أوجه اربعة:

1- نشوء الدولة من عناصر جديدة.

2- الانفصال او التفكك والانحلال.

3- الاتحاد او الانضمام.

4- العمل القانوني وقد تنشأ الدولة اخيرا بعمل قانوني ، داخليا او بموجب معاهدة دولية.



أ- الدولة كاملة السيادة:

هي التي تملك مباشرة كافة الاختصاصات التي يعترف بها القانون الدولي العام للدولة.

ب - أما الدول ناقصة السيادة:

فهي التي لا تتمتع بكافة اختصاصات الدولة الاساسية لارتباطها بدولة اخرى او خضوعها لها . بعبارة اخرى تكون الدول ناقصة السيادة نتيجة تدخل دولة او دول اجنبية في شئونها ومباشرتها لبعض الاختصاصات .

**هي الدولة التي تربطها بالدولة المتبوعة روابط خضوع وولاء تنقص او تحد من سيادتها ، وهذا الوضع يعني فقدان الدولة التابعة لشخصيتها الدولية وخضوعها التام ف ي هذا الميدان للدولة المتبوعة التي تتولى تمثيلها في الخارج وتصريف شؤونها



*يمكن تعريف الحماية: بأنها علاقة قانونية توضع بمقتضاها دولة ضعيفة تحت حماية دولة اخرى اكثر منها قوة في العادة . وتلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدولة المحمية ، وفي مقابل ذلك يعطى لها حق الإشراف على الشئون الخارجية للدولة المحمية والتدخل في ادارة اقليم تلك الدولة.



-1 أشكال الحماية:

ويمكن التمييز بين شكلين من اشكال الحماية : الحماية الاختيارية والحماية الاستعمارية .

أما الاولى فهي تنشأ نتيجة اتفاق يعقد بين الدولة الحامية وا لدولة المحمية . ويحدد هذا الاتفاق – الذي يكون في العادة نتيجة ضغط عسكري للدولة الحامية على الدول المحمية – مدى العلاقة بين الدولتين ، وحقوق والتزامات كل منهما . ويجب اعلان اتفاق الحماية الى الدول الاجنبية للحصول على اعترافها بهذا الوضع الوضع القانوني الجديد .



وأما الثانية ، أي الحماية الاستعمارية ، فهي التي تفرض في العادة على الشعوب التي لم تبلغ حظا وافرا من المدنية . ويكون الغرض منها عادة استعمار الاقليم الذي يوضع تحت الحماية الانتداب نظام جاءت به المادة 22 من عهد عصبة الامم ، وكان الغرض منه وضع الاقاليم والمستعمرات التي انتزعت من تركيا والمانيا تحت اشراف دولي وقسمتها الى ثلاثة انواع :



النوع الاول – يشمل البلاد التي كانت خاضعة للدولة العثمانية.

النوع الثاني – ويشمل الشعوب الاقل تقدما وعلى الخصوص الموجودة منها في اواسط افريقيا.

النوع الثالث – ويشمل اقاليم ضئيلة المساحة او قليلة السكان او بعيدة عن مراكز العمران ، وتديرها.





**الدولة المنتبه كما لو كانت تدير جزءا من اقليمها ويسمى هذا النوع الانتداب ..



الفصل الثاني عشر من ميثاق الامم المتحدة جاء بنظام ا لوصاية ليستبدل به نظام الانتداب الذي كان معمولا به في عهد عصبة الامم .

للاهداف..

أ- توطيد السلم والامن الدولي.

ب - العمل على ترقية اهالي الاقاليم المشمولة بالوصايا في امور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم.

ج- التشجيع على احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع بلا تمييز.

د- كفالة المساواة في المعاملة في الامور الاجتماعية والاقتصادية والتجارية.



الأقاليم التي ينطبق عليها نظام الوصاية وقسمتها الى ثلاث فئات :

الفئة الاولى : الاقاليم التي كانت مشمولة بالانتداب وقت صدور ميثاق الامم المتحدة.

الفئة الثانية : الاقاليم التي تقتطع من دول الاعضاء نتيجة للحرب العالمية الثانية.

الفئة الثالثة : الاقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دول مسئولة عن ادارتها.



ويشغل الفرد في الوقت الحاضر قدرا غير قليل من احكام القانون وعناية القانون الدولي العام والى اعتباره من اشخاص هذا القانون . لانه مقصود لذاته بهذه العناية على اعتباره عضوا في المجتمع البشري وبصرف النظر عن جنسيته او ملته ، ويظهر اهتمام القانون الدولي بالفرد

بصفة خاصة في الامور الاتية :

1- عقدت معاهدات دولية متعددة نصت على الاعتراف بحقوق معينة للافراد.

2- ظهرت انظمة دولية لحماية الاقليات.

3- تحديد مركز الاجانب في القانون الدولي.

4- ضمان حقوق الانسان دوليا.

5- الاهتمام بوضع اللاجئين وحقوقهم.

6- اصبح من المقرر جواز خضوع الافراد لاختصاص قضاء جنائي دول ي وجواز ارتكابه لجرائم دولية ومساءلته عنها دوليا .



وقد وضع نظام خاص بحماية الاقليات في معاهدات الصلح التي عقدت بعد الحرب العالمية الاولى فيما يتعلق بحماية الاقليات كما لم يعط ميثاق الامم المتحدة اختصاصات معينة للامم المتحدة ، لتدخل الاعتبارات السياسية في هذا الشأن ، وان وردت به نصوص اخرى تتعلق بحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية بصفة عامة.



سبق للامم المتحدة ان اعلنت رسميا سنة 1993.

- يتعين حماية وجود الاقليات وهويتهم القومية او الاثنية.

- ويكون للاشخاص المنتمين الى اقليات الحق في التمتع بثقافاتهم الخاصة وممارسة دينهم الخاص

- ويجوز للاقليات ممارسة حقوقها بصفة فردية

- وينبغي للدول ان توفر الفرص الوافية للاشخاص المنتمين الى اقليات لتعلم لغتهم الام وليشاركوا

- وينبغي ان تخطط السياسات والبرامج الوطنية هيئة تشترك فيها مجموعة من الدول على وجه الدوام ، للاطلاع بشأن من الشؤون العامة المشتركة وتمنحها اختصاصا ذاتياً تباشره هذه الهيئات في المجتمع الدولي . تشترك بصفة عامة في بعض العناصر وهذه العناصر هي :

اولا : تخضع هذه المنظمات لقواعد القانون الدولي.

ثانيا : العضوية في المنظمة الدولية مقصورة – في الغالب – على الدول التي تشترك فيها عن طريق مندوبين تعينهم الحكومة.

ثالثا : لكل منظمة دولية دستور ( او قانون اساسي ).

رابعا : لكل منظمة دولية مجلس او هيئة يتكون من ممثلين للدول الاعضاء ويجتمع في دورات منتظمة ويشرف على السياسة العامة للمنظمة

خامسا : قرارات الهيئات العاملة في المنظمة تصدر بالإجماع او بالأغلبية وفقا للنظام الأساسي للعمل في هذه الهيئات ولكل دولة صوت واحد على الاكثر.

سادسا : الدول الاعضاء في المنظمة تساهم ماليا في مصاريف المنظمة عن طريق الأنصبة التي يتم الاتفاق عليها سلفا



(الاولى) المنظمات الدولية العالمية العامة

(الثانية) المنظمات الدولية الفنية

(الثالثة) المنظمات الدولية القضائية

(الرابعة) المنظمات الدولية الاقليمية



-

-1 الطبيعة القانونية للوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية

تقوم المنظمة الدولية بناء على اتفاق دولي ينشئ المنظمة ويحدد نظامها القانوني ويبين اهدافها واختصاصاتها والاجهزة التي ستعمل بها لتحقيق هذه الاهداف والقواعد التي تحكم سير العمل بها وقد جرى العمل على ان يأخذ مثل هذا الاتفاق الدولي صورة المعاهدة الدولية . ولا يهم بعد ذلك تسمية هذه المعاهدة بالميثاق او الدستور او النظام الاساسي ، وبناء على ما تقدم فان المعاهدة التيى تنشأ المنظمة الدولية هي معاهدة ذات طبيعة دستورية وان ارادة الدولة تنتهي بمجرد ولادة المنظمة وممارستها لاختصاصاتها . وان ممارسة بعض الدول لحرية الانضمام او الانسحاب من المنظمة لم يعد يغير من احترام هذه المنظمات والتسليم بقراراتها مهما تكن ارادة هذه الدول .



-2 احكام العضوية في المنظمات الدولية

لقد سبق ان بينا بأن العضوية في المنظمات الدولية – بصورة عامة مقصورة على الدول . وبناءً عليه فان من حق الحكومة وحدها اختيار ممثلي الدولة في اجهزة المنظمة ، وهذه واحدة ، وان الحكومة بصورة عامة – حرة ومطلقة في اختيار الممثلين دون التقيد بأوصاف او شروط معينة ،

وهذه هي الاخرى .

أ- اكتساب العضوية في المنظمات الدولية

لا توجد مشكلة بالنسبة للاعضاء المؤسسين للمنظمة الدولية ، اذ سبق ان بينا بان المنظمة الدولية تنشأ بمقتضى اتفاق دولي متعدد الاطراف .

ب - شروط العضوية في المنظمات الدولية لما كان ميثاق المنظمة الدولية معاهدة دولية جماعية ، وان الانضمام هو اجراء قانوني يقصد به ان تصبح الدولة اتخذته طرفا في معاهدة دولية ... فان القاعدة العامة تقضي بأن تكون هذه المعاهدة الدولية الجماعية مفتوحة لجميع الدول لكي تصبح طرفا فيها حتى اذا لم تكن قد اشتركت في توقيعها وقت انشأها .



-3 الاحكام الخاصة بانتهاء العضوية في المنظمات الدولية

أ- الانسحاب من المنظمة الدولية سبق وان بينا بأن الدولة حرة في الانضمام الى المنظمة الدولية ، فاذا كان الامر كذلك فان هذه القاعدة تقضي باعطاء الدولة الحرية بالانسحاب من المنظمة ولذلك احتوت معظم دساتير المنظمات الدولية احكاما خاصة لتنظيم انسحاب اعضاءها .

وهذه الاحكام قد تكون بسيطة وقد تكون مقيدة ، ومن الاسباب الاخرى الداعية الى الانسحاب هو تعديل دستور المنظمة وقد صرحت بعض المنظمات الدولية بأن التعديل يتعبر مبررا كافيا للانسحاب في الحال دون تقيد بمدة .

ب- الفصل من عضوية المنظمات الدولية اذا تنكرت الدولة العضو في المنظمة لدستور المنظمة وتمادت في انتهاكه ، فقد تتعرض للطرد من هذه المنظمة . ومن ذلك ما نصت عليه المادة السادسة من ميثاق الامم المتحدة من انه " اذا امعن عضو من اعضاء الامم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة ان تفصله من الهيئة بناء على توجيه من مجلس الامن "



-4 موقف المنظمة من الدول التي ليست اعضاء فيها بالرغم من ان المنظمات الدولية – بوجه عام– لم تضع قواعد ثابتة تحدد فيها موقفها من تلك الدول فان الامم المتحدة وضعت قاعدة عامة جديدة بهذا الشأن حينما جاءت الفقرة السادسة من المادة الثانية من الميثاق لتنص على " ان تعمل الهيئة على ان تسير الدول غير الاعضاء فيها على مبادئ الامم المتحدة بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلام والامن الدولي "

كما هو معلوم ان الشخص الاعتباري هو ليس بالكائن الحي ، بل هو كائن مفترض من خلق القانون ومحض تصوره . وبناء على ذلك لا يتصور ان يكون له عقل ذاتي .

ولا مفر اذاً ان يعتمد في تكوينه لارادته على عقل بشري يعار اليه لكي يتصرف معبرا عن ارادته .

ولما كانت المنظمة الدولية – كما اوضحنا سابقا – شخصا اعتباريا من اشخاص القانون الدولي .

فلابد اذن من انسان عاقل يمثلها . وقد جرت العادة على ان يعهد بمهمة تمثيل المنظمة الى مجموعة من الدول الاعضاء فيها ، يمثلها في ذلك بدورها مجموعة من الاشخاص الطبيعيين ينوبون عنها في ذلك بحيث يقومون هم في نهاية الامر بمهمة تمثيل المنظمة والتعبير عن ارادتها .



(الاول) المعيار النسبي ويتمثل هذا المعيار باعطاء المقاعد الى الدول التي تتمتع بصفات خاصة بالنظر لطبيعة نشاط المنظمة.

(الثاني) المعيار الجغرافي وهو الذي يقوم على توزيع المقاعد توزيعا جغرافيا عادلا بين الدول الاعضاء.

(الثالث) الجمع بين المعيارين وقد تجمع المنظمة الدولية في توزيع مقاعدها بين الدول الاعضاء بين المعيارين الاول والثاني.



في القانون الدولي التقليدي كانت قاعدة الإجماع هي الاساس . وكانت الاستثناءات على هذه القاعدة قليلة جدا . ثم اصبحت قاعدة الاغلبية ( البسيطة او الموصوفة ) من الامور الطبيعية بجانب قاعدة الإجماع .



أ- قاعدة الإجماع..

يقتضي اتباع هذه القاعدة عند التصويت على أي قرار من قرارا ت المنظمة موافقة كافة اعضاء جهاز المنظمة لكي يصدر القرار ، وتبرير هذا الاسبوع يرجع الى التمسك بمبدأ المساواة بين الدول .

المسألة الاولى فقد يقصد بالإجماع الموافقة التامة لجميع اعضاء المنظمة . فاذا كانت اعضاء المنظمة الدولية مائة دولة فان القرار لا يصدر الى بموافقة مائة صوت .

المسألة الثانية وقد يقصد بقاعدة الإجماع ، إجماع الدول المشتركة فعلا في الجلسة ، فاذا كان عدد الدول المشتركة في المنظمة مائة دولة ، الا ان الدول المشاركة في الجلسة كان عددها ثمانون دولة . فان القرار لا يصدر الا بموافقة ثمانين صوتا .

المسألة الثالثة واخيرا قد يراد بقاعدة الإجماع موافقة الدول التي اشتركت فعلا في التصويت فالمنظمة المكونة من مائة دولة ولم يشترك في احدى جلساتها الا ثمانون دولة ، ولم يشترك في عملية التصويت الا خمسون فان الإجماع في هذه الحالة يكون خمسون صوتا .

فكأن الإجماع يمثل ثلاثة معان :

- إجماع كل الدول التي تتألف منها المنظمة الدولية.

- إجماع الدول المشتركة في الجلسة.

- إجماع الدول المشتركة في التصويت.

وقد وجه الى قاعدة الإجماع انتقادات كثيرة وخاصة منذ قيام الامم المتحدة الامر الذي ادى الى التخفيف من هذه القاعدة وذلك باتباع ما يسمى "بالإجماع النسبي" وهو مبدأ يجمع بين قاعدة الإجماع المطلق وقاعدة الاغلبية . وخلاصته انه على الرغم من عدم تحقق الإجماع فان ذلك لا يمنع من صدور القرار ولكنه في هذه الحالة لن يسري الا على من وافق عليه فقط . وهذا ما نصت عليه المادة السابعة من ميثاق الجام عة العربية بالقول " ان ما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله "



ومثال اخر لمبدأ الإجماع النسبي وهو حالة الامتناع عن التصويت ، وفي هذه الحالة لا يقف عدم تحقق الإجماع عقبة في سبيل صدور القرار . لان الامتناع عن التصويت يمكن تفسيره على احد وجهين.



ب - قاعدة الاغلبية..

وتعني هذه القاعدة ان تصدر قرارات المنظمات الدولية بالاغلبية وتكون مع ذلك ملزمة لجميع الدول الاعضاء حتى اذا لم توافق على هذه القرارات .

وقد جرت العادة على التمييز بين نوعين من الاغلبية اللازمة لصدور القرارات .

*- الاغلبية البسيطة (او المطلقة) . وهي التي تتجاوز نصف الاصوات بأي مقدار .

*- الاغلبية الخاصة (او الموصوف ة) . وهي التي تتجاوز نصف الاصوات بمقدار معين كالثلثين او الثلاثة ارباع او الابعة أخماس .

وقد شاع استعمال قاعدة الاغلبية في التصويت بالنسبة لمعظم المنظمات الدولية في الوقت الحاضر بالنظر لما لهذه القاعدة من اعتبارات عديدة ومهمة . فهي اولا تستند الى مذهب الديمقراطية والامم المتحدة هي اول منظمة دولية عالمية اتبعت قاعدة الاغلبية في كافة فروعها فالقرارات تؤخذ بالاغلبية العادية ، او بأغلبية الثلثين في الجمعية العامة (م 18 من الميثا ق) وبالاغلبية البسيطة ل لاعضاء الحاضرين والمشتركين في التصو يت في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفي

مجلس الوصاية ( م 67 و م 89 من الميثاق )



ج- الاتفاق الرضائي..

لم تسلم قاعدة الاغلبية من الانتقادات (فقد قيل ان الاكثرية في منظمة دولية قد تصبح ، اذا ما تكتلت بشكل دائم ، بمثابة دولة واحدة تملك حق الاعتراض او الفيتو تجاه أي قرار من القرارات .

وقد ظهرت مثل هذه الاراء بعد تحرير العديد من الدول الاسيوية والافريقية وانضمامها الى المنظمات الدولية وتضامنها للدفاع عن حقوقها المشروعة .



عند بحث الاحكام الخاصة بالمركز القانوني للمنظمات الدولية لابد من الاحاطة بالمواضيع الاتية :

1- فكرة الشخصية القانونية للمنظمات الدولية يقصد بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية "الاهلية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع ال دعوى امام القضاء "

2- مقومات الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية

الاولى – الاتفاق الدولي.

الثانية – الكيان الدائم المتميز.

الثالثة – الارادة الذاتية المستقلة.

فاذا توافرت هذه العناصر الثلاث في المنظمة الدولية اصبحت تلك المنظمة متمتعة بالشخصية القانونية الدولية وصارت خاضعة للقانون الدولي بما يفرضه عليها من التزامات وما يرتبه لها من حقوق ، ويرى ضرورة توافر صفات ثلاثة حتى تثبت الشخصية القانونية الدولية للمنظمة وهذه الصفات هي :

*- اختصاص المنظمة بممارسة وظائف معينة استقلالا في ذلك عن اعضائها.

*- وجود اجهزة متم يزة عن الدول الاعضاء تمارس المنظمة من خلالها الوظائف المعهود بها اليها.

*- استحالة ممارسة المنظمة لهذه الوظائف مالم تكن متمتعة بشخصية قانونية متميزة عن شخصيات الدول الاعضاء.



3- نتائج الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية للمنظمة الدولية

اما اهم النتائج التي تترتب على الاعتراف بالشخصية الدولية للمنظمات الدولية فهي :

* اهلية عقد المعاهدات.

* اهلية التقاضي (حق التقاضي).

* التمتع بالحماية الدبلوماسية.

يترتب على الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية اثار مباشرة من بينها الاعتر اف للمنظمة الدولية بأهلية عقد المعاهدات الدولية ، وبما ان هذه الاتفاقات تقسم الى قسمين فسوف نتناول ذلك في فرعين :



أ- الاتفاقات المسماة وقد سميت بالاتفاقات المسماة لان تسميتها قد ورد في دستور المنظمة الدولية وبالتالي فهي تعتبر مكملة لبعض احكام دستور المنظمة ا و منظمة لبعض جوانب نشاطها

اولا : اتفاقات المقر..

وهي التي ت عقد بين المنظمة الدولية من جانب والدولة التي يقع في اقليمها مقر المنظمة من

جانب اخر

ثانيا : اتفاقية مزايا وحصانات المنظمة الدولية..

وهي التي تعقد بين اعضاء المنظمة كافة لوضع قواعد ثابتة لتحديد مركز ها القانوني في اقليم

الدول الاعضاء فيها

ثالثا : الاتفاقات العسكرية..

-1 يتعهد جميع اعضاء الامم المتحدة ، في سبيل المساهمة في حفظ السلم والامن الدولي

-2 يجب ان يحدد ذلك الاتفاق او تلك الاتفاقات عدد هذه القوات وانواعها ومدى استعدادها

واماكنها عموما .

-3 تجرى المفاوض ة في الاتفاق او الاتفاقات المذكورة بأسرع ما يمكن بناء على طلب مجلس

الامن .

رابعا : الاتفاقات الواصلة وهي الاتفاقات التي تتم بين هيئة الامم المتحدة من جهة والوكالات

الفنية المتخصصة من جهة اخرى .

خامسا : اتفاقيات الوصاية.

سادسا : اتفاقات الانتداب.



ب- الاتفاقات غير المسماة وعلى عكس الاتفاقات المسماة هذه الاتفاقات اطلق عليها " الاتفاقات غير المسماة " لعدم ذكرها في متن دستور المنظمة ، ويتناول هذا النوع من الاتفاقات جميع انواع التعاون الانساني الذي يراد من استتباب السلام والامن ورفع مستوى الشعوب كالاتفاقات الخاصة بالمساعدات

الأول – الاتفاقات التي تعقد بين المنظمة الدولية وبين الدول.

الثاني – الاتفاقات التي تعقد بين المنظمات الدولية وبعضها. ومن امثلتها..



-1 الاتفاقات المعقودة بين الامم المتحدة والوكالات المتخصصة.

-2 الاتفاقات التي تعقد بين الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية.

-3 الاتفاقات التي تعقد بين الوكالات المتخصصة والمنظمات الاقليمية.

-4 الاتفاقات التي تعقد بن الوكالات المتخصصة وبعضها .

-5 الاتفاقات التي تعقد بين المنظمات الاقليمية وبعضها

**** يحق للمنظمة الدولية تحريك دعوى المسئولية الدولية في غيرها من اشخاص القانون الدولي ، كما يحق للمنظمة الدولية حق التقاضي امام مختلف المحاكم الوطنية ولها ايضا حق كسب الملكية بأية وسيلة مشروعة كالهبة تتمتع المنظمة الدولية ، ويتمتع ممثلي الدول الاعضاء فيها ، كما يتمتع = موظفوها بمجموعة من الحصانات والامتيازات القصد منا تسهيل ممارسة المنظمة لاعمالها وذلك على النحو المبين في المعاهدة المنشئة للمنظمة او فيما يعقد من اتفاقات خاصة لهذا الغرض.



أ- حرمة مقر المنظمة:

اولا – اموال المنظمة.

ثانيا – حرمة المباني التي تشغلها المنظمة الدولية.

ثالثا – الاعفاء القضائي.

رابعا – الاعفاء من الضرائب.

خامسا – مراسلات المنظمة الدولية.



ب - مزايا وحصانات الموظفين الدوليين.

اولا – الحصانة الشخصية.

ثانيا – الحصانة القضائية.

ثالثا – الاعفاء من الضرائب المحلية.





1- السلطات التي يغلب عليها الطابع الدستوري

أ- تعديل الدستور :

من المبادئ التي كانت سائدة في القانون الدولي التقليدي ان تعديل دستور المنظمة الدولية لا يمكن ان يتم الا بموافقة جميع الدول الاعضاء في المنظمة . وهذا ما يفسر لنا القول بأن دساتير المنظمات الدولية جامدة لا يجوز تعديلها الا بقرار اجما عي أي باتفاق جميع الاطراف المتعاقدة . وهذا الاتفاق يمر بمرحلتين :

الاولى – موافقة جميع الدول الاعضاء على التعديل .

الثانية – التصديق على هذا التعديل من قبل السلطات المختصة في جميع الدول الاعضاء.

ب - تفسير الدستور :

لقد سبق ان اوضحنا بان المعاهدات الدولية المنشئة للمنظمات الدولية تنفرد في انها ذات طبيعة دستورية وذلك باعتبارها الاساس القانوني للمنظمة .

وقد تقوم الحاجة الى تفسير دساتير المنظمات الدولية سيما اذا ما علمنا بأن العبارات التي تصاغ فيها احكام هذه الدساتير قد تكون غير دقيقة او انها موجزة او يمكن فهمها با كثر من معنى . كما انه ليس من الممكن ان يواجه الدستور كافة الاوضاع التي قد تعرض على المنظمة وان يلم فيها سلفا ، ويمكن القول بعد ذلك ان اساليب تفسير دساتير المنظمات الدولية يعتمد على عاملين :

أولهما – اهمية التفسير..

ثانيهما – ما يرد في الدستور من الوسائل الخاصة المحددة بشأن التفسير..

وقد يتعلق التفسير بمسائل مهمة ، وهنا ننتقل الى التحري عما يرد في الدستور من الوسائل التي ارتضت بها الدول الموقعة على الاتفاقية الخاصة بانشاء المنظمة . وهذه الوسائل لا تخرج عن كونها :

-1 اسناد سلطة التفسير الى هيئة او لجنة تابعة للمنظمة نفسها.

-2 منح هذه السلطة لمحكمة خاصة تابعة للمنظمة نفسها.

-3 استشارة محكمة العدل الدولية بشأن تفسير النص موضوع الخلاف..



2- الاختصاصات الضمنية للمنظمات الدولية:

- مبدأ المعنى العادي او الطبيعي.

- مبدأ التفسير الواقعي.

- مبدأ التفسير الضيق.

- مبدأ التفسير حسب اهداف ومبادئ المعاهدة.

- مبدأ التكامل.

- مبدا التفسير حسبما جرى عليه تطبيق المعاهدة.

- مبدا الاستعانة بالاعمال التحضيرية.



3- السلطات التي يغلب عليها الطابع التنفيذي:

أ- سلطة اتخاذ القرارات واصدار التوصيات..

اولا – القرار DECISION:

القرار هو الامر المتضمن قوة الالتزام والذي تصدره المنظمة الى دولة عضو او الى فرع تابع لها او الى موظف من موظفيها . ولا يختلف من القوة عن أي قرار تصدره السلطة المختصة في داخل أي دولة من الدول .

ومع ذلك تبقى سلطة المنظمة في اتخاذ القرارات مقيدة بشروط ثلاثة :

الاول – ان تقتصر على الامور المذكورة صراحة في دستور المنظمة.

الثاني – وان تكون متفقة مع اهداف المنظمة ومبادئها.

الثالث – واخيرا ان تتخذ وفقا لاحكام الدستور.

انواع القرارات التي تتخذها المنظمات الدولية ؟

-1 القرارات الصادرة عن مجلس الامن.

-2 القرارات الصادرة عن الجمعية العامة.

-3 القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية.



ثانيا – التوصية التوصية RECOMMENDATION هي عبارة عن دعوة (او نصيحة او رغبة ) توجهها المنظمة الدولية ، في موضوع معين ، الى جميع الدول الاعضاء في المنظمة ،او الى دولة عضو بالذات ، او الى فرع او اكثر من فروع المنظمة ، او الى منظمة اخرى .

واستنادا الى ذلك فان توصيات الامم المتحدة تقسم الى خمسة اقسام :

الاولى – التوصيات الصادرة من الجمعية العامة.

الثانية – التوصيات الصادرة من مجلس الامن.

الثالثة – التوصيات الصادرة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

الرابعة – التوصيات الصادرة من مجلس الوصاية.

الخامسة – التوصيات الصادرة من محكمة العدل الدولية وتعرف بالاراء الاستشارية.



ب-البحوث والدراسات: تشترك المنظمات الدولية جميعا بسلطة اجراء البحوث والدراسات في المواضيع التي تدخل في نطاق اختصاصاتها..

اولا – الابحاث والدراسات التي تقوم بها المنظمة نفسها.

ثانيا – الابحاث والدراسات التي تتم عن طريق المؤتمرات الدولية.

ثالثا – الابحاث والدراسات التي تقوم بها الدول الاعضاء بناء على طلبها.



الاعتراف بالدولة هو التسليم من جانب الدولة القائمة بوجود هذه الدولة وقبولها كعضو في الجماعة الدولية . والاعتراف اجراء مستقل عن نشأة الدولة ، فالدولة تنشأ باستكمال عناصرها الثلاث (الشعب ، الاقليم ، الحكومة) واذا ما نشأت ثبتت لها السيادة على إقليمها وعلى رعاياها دون نزاع .

/*/* (لا يجوز الاعتراف بالدولة الا اذا استوفت جميع عناصرها وتهيأت لها أسباب الوجو د كدولة) . على انه اذا كانت نشأت الدولة الجديدة نتيجة حركة انفصال عن دولة قديمة فليس من الضروري ان تنتظر الدول للاعتراف بالدولة الجديدة قبول الدولة القديمة لهذا الانفصال واعلانها من جانبها استقلال الدولة الجديدة .



-1 النظرية التأسيسية (او نظرية الاعتراف المنشئ) ومفاد هذه النظرية " ان الدولة تصبح شخصا دوليا عن طريق الاعتراف فقط، بعبارة اخرى ان الاعتراف هو الذي يخلق الشخصية الدولية للدولة الجديدة وهو الذي يعطيها صفة العضوية في الجماعة الدولية .

-2 النظرية الايضاحية ( او نظرية الاعتراف الاقراري او ا لكاشف ) تقوم هذه النظرية على ان الاعتراف يمثل اجراءا "ايضاحيا" وانه لا يخرج عن كونه اقرارا رسميا بحقائق قائمة . اذ من الثابت ان اعتراف الدول لا قيمة له من الناحية الواقعية اذا لم تتوافر لدى الدولة محل الاعتراف جميع عناصر الدولة ، كما ان الاعتراف لا يمنح ال دولة الجديدة الشخصية الدولية ، ولا يعطيها صفة الدولة، فهي توجد وتباشر نشاطها من يوم نشوئها . وعدم الاعتراف بدولة ما من جانب بعض الدول لا يمنعها من مباشرة الحقوق التي تخولها شخصيتها الدولية ، ومن الدخول في علاقات دولية مع الدول التي تقبل التعامل معها .



** الاعتراف الواقعي والاعتراف القانوني .

1- الاعتراف الواقعي اعتراف مؤقت بالامكان الغاؤه اذا تغيرت الظروف التي ادت الى اصداره ، وذلك اما بسحبه او تحويله الى اعتراف قانوني ، اما الاعتراف القانوني فهو على العكس من الاعتراف الواقعي ، اعتراف نهائي يضع نهاية لفترة الاختبار للدولة الجديدة .

2- الاعتراف الصريح والاعتراف الضمني قد يكون الاعتراف صريحا او واضحا ، وهو يتم بصور عدة فقد يأخذ شكل المذكرات الدبلوماسية ، او تبادل البرقيات ، او صدور بيان رسمي عن الدولة المعترفة . وهو ضمني او مبطن حين تدخل الدولة القديمة في علاقة دولية مع الدولة الجديدة او تعقد معها معاهدة سياسية او عن طريق ارسال ممثل دبلوماسي اليها او تعترف بعلمها وتحييه او تجري اتصالا رسميا مع رئيس الدولة .

3- الاعتراف الفردي والاعتراف الجماعي قد يكون الاعتراف فرديا وذلك اذا ما صدر صراحة او ضمنا من دولة واحدة تجاه الدولة الجديدة، وقد يكون جماعيا وذلك اذا صدر الاعتراف من مجموعة من الدول في نفس الوقت مجتمعه في معاهدة او وثيقة مشتركة او في مؤتمر دولي .



** وقد سبق لمجمع القانون الدولي ان بين في اجتماعه الذي عقده في نيوشاتل بسويسرا سنة 1900 ، في لائحة وضعها عن حقوق وواجبات الدول الاجنبية ازاء الحركات الثورية او الانفصالية وما يجب على هذه الدول مراعاته في هذا المجال فقرر في المادة الثامنة من اللائحة المذكورة انه ليس للدول الاجنبية ان تعترف للجماعات الثائرة بصفة المحاربين :

-1 اذا لم يكن لها كيان اقليمي بان تكون في حوزتها جزء محدد من الاقليم الاصلي.

-2 اذا لم تتوافر لديها عناصر الحكومة النظامية التي تمارس بالفعل على هذا الجزء من الاقليم مظاهر السيادة .

-3 اذا لم يكن النضال بواسطة قوات منظمة خاضعة للنظام العسكري وتتبع قوانين الحرب يمكن ادراج النتائج التي تترتب على الدولة (او الحكومة ) في حالة عدم الاعتراف بها بما يأتي :

[انما يثار هذا الموضوع حينما يتم تغيير الحكومة نتيجة لحدوث انقلاب في البلاد او نتيجة لقيام حكومتين في دولة واحدة في آن واحد تدعي كل منهما السيطرة على البلاد، فمن الطبيعي ان يثار موضوع الاعتراف في هذه الحالة .

وان الاخذ بمبدأ تقرير المصير يوجب القول بأن الدولة حرة في اختيار نوع النظام الذي ترى فيه مناسبا لها ، وان الشعب اذا ما اختار نظاما ثوريا وفضله على النظام الدستوري ينبغي احترام ارادته الحرة . وانه لا يصح للدول الأجنبية ان تنصب نفسها حاكما لتقرر مدى شرعية هذا النظام او ذاك .

ولذا يمكن القول بأن مذهب أيسترادا يتمشى مع الشرعية التي قررها مبدأ تقرير المصير .

" الا ان أكثرية الدول في الوقت الحاضر باتت تنظر الى الاعتراف بالحكومة الجديدة نظرة واقعية فطالما كان هذا النظام قادر على السيطرة على جميع اجزاء الإقليم فهو يستحق الاعتراف من قبل الدول الاخرى دون البحث والتنقيب عما اذا كان هذا النظام قد وصل عن طريق دستوري شرعي ام عن طريق ثوري غير دستوري .



والسؤال الاخير – في موضوع الاعتراف – هو : هل يمكن سحب الاعتراف بعد منحه؟.

* هناك من يرى ان ذلك جائز في حالة ما اذا كان الاعتراف حقيقيا ، اما ان كان قانونيا لا يمكن سحبه ، والواقع ان هذا الرأي سبق ان قيل بصدد التمييز بين اشكال الاعتراف . بعبارة أخرى إن إحدى نقاط التمييز بين الاعتراف الحقيقي والاعتراف القانوني أن ا لاول يمكن سحبه بينما لا يمكن سحب الثاني ، وفقا لهذا الرأي .

ومعهد القانون الدولي هو الاخر اعتمد في 1936 ، وعند الكلام عن الاثار التي تترتب على الاعتراف، قرارا يتضمن عدم قابلية الاعتراف القانوني للإلغاء . والواقع انه لا توجد قدسية تامة ومؤكدة بالنسبة للاعتراف بصرف النظر عما اذا كان الاعتراف حقيقياً ام كان قانونيا . فكلا النوعين من الاعتراف قد منحا نتيجة لافتراض قيام حقائق ثابتة . فاذا ما تغيرت هذه الحقائق او اختفت جاز

سحب الاعتراف مهما كان نوعه .