الأحد، 7 أبريل 2013

القاعدة الذهبية في القانون


القاعدة الذهبية في القانون 

...القاعدة الذهبية في القانون لتحميل المقال بصيغة pdf

القاعدة الذهبية في القانون..
"المتهم بريء حتى تثبت إدانته"..

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ : "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " سورة يونس الآية 36.
إن قاعدة (المتهم برئ حتى تثبت إدانته) قاعدة قديمة وعامة في القانون الوضعي والديني، وهي من أهم مبادئ العدالة الجنائية كما تعتبر من أهم مبادئ حقوق الإنسان، وعنوان من عناوين الحرية وهي ضمانة موجودة في كل دساتير العالم، وقد إنطلقت في الفكر القانوني الحديث  كمبدأ دستوري بعد ان نص عليها اعلان حقوق الانسان والمواطن في مقدمة دستور سنة 1789 الفرنسي. واصبحت قاعدة دولية لا يمكن نكرانها او تجاهلها بعد ان نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 بالقول على انه (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت ادانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات للدفاع عنه). (م 11/1).
وقد جاءت هذه القاعدة في مشروع دستور دولة فلسطين في المادة (29) "المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتاح له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه." كما وجاء في المادة (28) "لكل إنسان الحق في الحرية وفي الأمن على شخصه، ولا يجوز المساس به إلا في الحالات وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون."
ويتفرع من هذه القاعدة مبدأ (ان الشك يفسر لصالح المتهم) (الأصـــل بــراءة الذمــة والانشـغـال عـــارض). وإن من أهم نتائج مبدأ أصل البراءة (إلقاء عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام). فإن فشلت سلطة الإتهام أثناء إستجواب المتهم في هدم قرينة البراءة بإقامة الدليل القاطع على ذلك، ظل المتهم على براءته، ولا يكفي أن يبنى الاتهام على قول دون دليل، ولا يكلف المتهم بإثبات براءته. على عكس الخصومة المدنية، فإن عبء الإثبات يمكن أن ينتقل إلى عاتق المدعى عليه الذي يصبح مدعياً يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه إذا ما أثار دفعاً، ولم يقتصر موقفه على مجر الإنكار.
وقد جاء في قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية، جلسة 5 أكتوبر 1996، القضية رقم 26 لسنة 12ق دستورية، الجريدة الرسمية، 17 أكتوبر 1996، ع41ق دستورية. بقولها أن "أصل البراءة مفترض في كل متهم، فقد ولد الإنسان حراً، مطهراً من الخطيئة ودنس المعصية، لم تنزلق قدماه إلى شر، ولم تتصل يده بجور أو بهتان، ويفترض وقد كان سوياً حين ولد حياً أنه ظل كذلك متجنباً الآثام على تبيانها ، نائياً عن الرذائل على اختلافها، ملتزماً طريقاً مستقيماً لا يتبدل اعوجاجاً، وهو افتراض لا يجوز أن يهدم توهماً، بل يتعين أن ينقض بدليل مستنبط من عيون الأوراق وبموازين الحق، وعن بصر وبصيرة، ولا يكون ذلك إلا إذا أدين بحكم انقطع الطريق إلى الطعن فيه، فصار باتاً".
وقد أكد العلماء على أن الشريعة الاسلامية تعتبر المصدر الأول لقاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم، والتي يمكن ردها إلى الحديث النبوي الشريف "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام يخطئ في العفو خير أن يخطئ في العقوبة". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد أسس الفقه الإسلامي أصل البراءة على قاعدة استصحاب الحال، أي بقاء كل شيء على ما كان حتى يوجد ما يغيره أو يثبت خلافه. فالأصل إذاً استدامة إثبات ما كان منفياً أو نفي ما كان منفياً، أي بقاء الحكم إثباتا ونفياً حتى ينهض الدليل المغير. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: "الاستصحاب يؤخذ به في قانون العقوبات ، وهو أصل فيه، لأن الأمور على الإباحة ما لم يقم نص يثبت التجريم والعقوبة، وأن قضية المتهم برئ حتى يقوم دليل على ثبوت التهمة... هى مبنية على الاستصحاب ، وهو استصحاب البراءة الأصلية". واعتماداً على هذا التأسيس استنبط الفقه الإسلامي قاعدة أن ما يثبت باليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ولا يزول بالشك.
وهنا لا بد لنا من تعريف المتهم :
ففي قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم ٣ لسنة ٢٠٠١ م عرف المتهم في المادة "8" بقوله "كل شخص تقام عليه دعوى جزائية يسمى متهما". ويلاحظ أن المشرع الفلسطيني استعمل لفظ المتهم في مراحل الدعوى الجزائية كافة، ابتداء من مرحلة إقامة الدعوى الجزائية (التحقيق الإبتدائي) لدى النيابة العامة بصفتها سلطة تحقيق وليس بصفتها سلطة جمع استدلالات ، وحتى انتهاء مرحلة التحقيق النهائي. ويستفاد من ذلك أن المشرع الفلسطيني قد أخذ بمبدأ الاتهام  ولم يميز بين المشتبه فيه والمتهم حيث أطلق لفظ المتهم على كل من اتهم بارتكاب جريمة.
والمتهم في اللغة هو اسم المفعول من الفعل أتهم، بمعنى أدخل التهمة على شخص، وجعله مظنة لها، فالمتهم بناءً على ذلك يعني من أدخلت عليه التهمة، وظنت به أو من ظن فيه ما نسب إليه.
وكلمة تهمة لها في اللغة معانٍ عديدة، فقد قيل بإنها الظن،  وقيل بإنها الشك والريبة، وهذه المعاني لا تدل على الجزم واليقين. 

التعريف الاصطلاحي للمتهم:
هو من يدعى عليه بفعل محرم توجب عقوبته. ويعرف الفقه الإسلامي المتهم (المدعى عليه) بأنه من أدعى عليه شخص بحق, سواء كان دماً أومالاً عند قاض أو محكم.
فكلمة متهم وصف يطلق على الشخص الذي يواجه ادعاءاً جنائيا، وهنا الشخص المواجه بادعاء جنائي يتحصن بالبراءة حتى اخر لحظة قبل ثبوت التهمة فوق مرحلة الشك المعقول، وإن المجتمع يجهل ما تعني كلمة متهم فالكثير يخلط بين مصطلح المتهم ومصطلح المجرم ولا يتم التفريق بينها والفرق كبير خصوصا اذا ما انتهى التحقيق ببراءة المتهم. فالمتهم هو من لم تثبت إدانته بثبوت التهمة عليه والمجرم هو من ثبتت ادانته بالجرم المنصوص عليه بالقانون. فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته والمجرم مذنب حتى يستوفي عقوبته.
** وإن قاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته أبداً لا تعني بقاء المتهم حراً طليقاً وعدم توقيفه أو (حبسه)، فعند إتهام شخص ما يعني أنه دخل دائرة الشك بإرتكابه جرم معين، فجاء قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني بهدف ومبدأ أساسي وهو الموازنة بين الحرية الشخصية والمصلحة العامة، بمعنى اخر الموازنة بين حق الدولة في العقاب وحق الفرد في الدفاع عن نفسه عن تهمة قد تكون باطلة.  فمنح الضابطة القضائية فترة اربعة وعشرين ساعة لتوقيف المتهم قبل إحالته للنايبة العامة حارسة العدالة، كما ومنح النيابة العامة مدة ثمانية واربعين ساعة قابلة لطلبات تمديد توقيف للمتهم إلى القاضي المختص محددة وفق القانون، كما كفل القانون للمتهم عدة ضمانات أهم هذه الضمانات إطلاق سراحه بكفالة قبل إدانته والإبقاء على سير جلسات المحاكمة والمتهم حر طليق لحين إدانته أو تبرئته.

  إعداد: المستشار القانوني / اياد جرار.                                                      
26-6-2012                                                                                                                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق