الأحد، 30 ديسمبر 2012

التفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة

مــدونـــتــــي الـقـانـــــونـيـــــة الـمـــتـنــــــوعـــــــة ....

يقصد بالقواعد الآمرة Les règles impératives تلك القواعد التى يوجب القانون على الأفراد الالتزام بأحكامها دون أن يسمح لهم بالخروج عليها والاتفاق فيما بينهم على ما يخالفها، وبالتالى ينعدم أى سلطان لإرادة الأفراد حيال هذا النوع من القواعد، فليس لهم إلا أن ينفذوا مقتضى هذه القواعد أو يكون البطلان المطلق جزاء وفاقا لاتفاقهم المخالف لأحكام هذه القواعد(1). ونظرا لما لهذه القواعد من طبيعة مقيدة لسلطان إرادة الأفراد لذا يحرص واضعو القوانين عادة على تنظيم المصالح الأساسية فى المجتمع بنصوص وقواعد آمرة لتوفير الحماية اللازمة لهذه المصالح وإجبار الأفراد على مراعاتها واحترامها. فالقواعد القانونية الواردة فى قانون العقوبات والتى تنهى عن ارتكاب الجرائم أو الاشتراك فيها تعتبر قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها والخروج على مقتضى أحكامها، ويبطل أى اتفاق بين الأفراد على مخالفتها، فلا يجوز مثلا أن يتفق شخصان على قتل شخص ثالث (2) . كما أن القاعدة التى تقضى بعدم جواز التعامل على تركة إنسان على قيد الحياة ولو برضائه المنصوص عليها فى المادة 104 من التقنين المدنى البحرينى الجديد، قاعدة آمرة لا تجوز مخالفتها ويبطل كل اتفاق بالخروج على مقتضى أحكامها بطلانا مطلقا. كما أن القاعدة القانونية التى تمنع القضاة أو أعضاء النيابة أو المحامين أو كتبة المحاكم أو المحضرين من شراء الحق المتنازع فيه كله أو بعضه بأسمائهم أو بأسماء مستعارة، طالما أن النظر فى النزاع يدخل فى اختصاص المحكمة التى يباشرون أعمالهم فى دائرتها تعد قاعدة آمرة، ويترتب على مخالفة أحكامها بطلان التصرف بطلانا مطلقا عملا بنص المادة 440 من التقنين المدنى البحرينى . أما القواعد المكملة Les régles supplétives: فهى القواعد القانونية التى يرخص فيها للأفراد بالخروج على أحكامها والاتفاق فيما بينهم على تنظيم يخالف مقتضى هذه الأحكام، بحيث لا يجرى تطبيقها عليهم إلا فى حالة عدم وجود الاتفاق المخالف لها (3) . فعادة ما يرى واضعو القوانين أنه من الحكمة أن يفسحوا المجال لسلطان الإرادة فى بعض المعاملات الخاصة التى لا يترتب على غياب التنظيم الآمر لها( أى بموجب قواعد آمرة) إضرار ما بالمصالح الأساسية فى المجتمع، فيسمح للأفراد بوضع التنظيم الاتفاقى الذى يرونه محققا لمصالحهم ويتولى واضع القانون تنظيمها بنصوص غير آمرة أى بقواعد مكملة فلا يجرى تطبيقها عليهم إلا إذا أغفلوا تناولها أو التعرض لها فى اتفاقهم (4). فالقاعدة التى تقضى بأن ثمن المبيع يكون مستحق الوفاء فى المكان والزمان اللذين يُسَلَّمُ فيهما المبيع(مادة 427 ،428 مدنى بحرينى) قاعدة مكملة غير آمرة حيث يجوز الاتفاق بين البائع والمشترى على أن يتم دفع الثمن بعد التسليم فى الميعاد والمكان اللذين يتفقا عليه فيما بينهما، فيخالفا بذلك الاتفاق ما تضمنته أحكام هذه القاعدة، أما إذا أغفلا مثل هذا الاتفاق فعند ذلك يجب على المشترى أن يسلم البائع الثمن فى نفس الزمان والمكان اللذين يتم تسليم المبيع فيهما. والقاعدة التى تنص على أن يتحمل المشترى نفقات عقد البيع ورسوم الدمغة والتسجيل ونفقات تسليم المبيع تعد قاعدة مكملة أيضا (المادة 435 مدنى بحرينى ) فلا يجوز إلزام الطرفين بحكمها إلا فى حالة عدم وجود اتفاق مخالف لها، فيمكن لهما أن يتفقا على أن يتحمل البائع مثل هذه النفقات كلها أو بعضها حسب اتفاقهما. وتجدر الإشارة إلى أن البعض من الفقه يميل إلى تسمية القواعد المكملة باسم القواعد المقررة على أساس أن هذه القواعد تعبر عن الإرادات المفترضة للأفراد، إذ أنها تقرر أن هذه الإرادات وقد أغفلت الاتفاق فيما بينها على ما يخالف أحكام هذه القواعد، فقد اتجهت على سبيل الافتراض إلى الأخذ بالأحكام الواردة بها، كما أنهم يطلقون عليها أيضا اصطلاحا آخر يعرف باسم القواعد المفسرة على أساس أن أحكام هذه القواعد تفسر الغموض فى الإرادة المفترضة لدى المتعاقدين5. ويميل البعض الآخر - وبحق - إلى انتقاد استعمال اصطلاحى القواعد المفسرة والقواعد المقررة بوصفهما مترادفين لاصطلاح القواعد المكملة حيث يقول:" ولا نميل إلى التشيع للاصطلاح الأول أو الثانى. فكلاهما يستند إلى فكرة أن القاعدة القانونية المقررة أو المفسرة هى تعبير عن الإرادة المفترضة للأفراد، والإرادة المفترضة مجرد وهم لا يطابق الواقع. ولا يجوز تأصيل أحكام القانون بالاعتماد على إرادة مفترضة، فالإرادة تقوم فى جوهرها على المشيئة وليس على الافتراض" (6).
---------------------------------------------------------------------------
(1) انظر فى نفس المعنى: أ. د/ عبدالفتاح عبدالباقى -المرجع السابق- رقم 68، أ. د/ حسن كيره -المرجع السابق-رقم16،ص42، أ. د/ سليمان مرقس -المرجع السابق- 123، 12. (2) انظر فى نفس المعنى: أ. د/ حسن كيره -المرجع السابق- ص43، أ. د/ نعمان جمعة -المرجع السابق- ص59. (3) انظر فى ذلك إلى: أ. د/ عبدالمنعم البدراوى -المرجع السابق- ص89، أ. د/ سمير تناغو -المرجع السابق- ص 85، أ. د/ محمد لبيب شنب -المرجع السابق- ص 55، أ. د/ جميل الشرقاوى -المرجع السابق- ص 55، أ. د/ رمضان ابوالسعود -المرجع السابق- ص99، أ. د/ شمس الدين الوكيل - المرجع السابق- ص89. (4) انظر فى نفس المعنى: أ. د/ مصطفى الجمال -المرجع السابق- ص 52، أ. د/ عبدالمنعم فرج الصدة - المرجع السابق- ص 55، أ. د/ أحمد سلامة -المرجع السابق- ص 98، أ. د/ حمدى عبد الرحمن -المرجع السابق- ص 86، أ. د/ سليمان مرقس -المرجع السابق- ص 124، 125. (5) أ.د./سليمان مرقس- المرجع السابق -ص 124،125. (6) أ.د./شمس الدين الوكيل- المرجع السابق-ص91،92.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق